حضر هو يوم بدر- وجميع الروايات تذكر أنه كان على رأس الملائكة- فأى حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار؟ بل أى حاجة حينئذ إلى إرسال سائر الملائكة؟ وأيضا فإن أكابر الكفار كانوا مشهورين، وقاتل كل منهم من الصحابة معلوم.
وأيضا لو قاتلوا فإما أن يكونوا بحيث يراهم الناس أو لا.. وعلى الأول يكون المشاهد من عسكر الرسول ثلاثة آلاف وأكثر، ولم يقل أحد بذلك.. وعلى الثاني كان يلزم جز الرءوس، وتمزيق البطون، وإسقاط الكفار من غير مشاهدة فاعل، ومثل هذا من أعظم المعجزات، فكان يجب أن يتواتر ويشتهر بين المسلم والكافر والموافق والمخالف... » «١».
وقال صاحب المنار: مقتضى السياق أن وحى الله للملائكة وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى إلخ.
وقوله- تعالى- سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ.. إلخ بدء كلام خوطب به النبي ﷺ والمؤمنون تتمة للبشرى. فيكون الأمر بالضرب موجها إلى المؤمنين قطعا، وعليه المحققون الذين جزموا بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر تبعا لما قبله من الآيات.
ثم قال: وفي كتب السير وصف للمعركة علم منه القاتلون والآسرون لأشد المشركين بأسا، فهل تعارض هذه البينات النقلية بروايات لم يرها شيخ المفسرين ابن جرير حرية بأن تنقل.
كفانا الله شر هذه الروايات الباطلة التي شوهت التفسير وقلبت الحقائق، حتى إنها خالفت نص القرآن نفسه فالله- تعالى- يقول في إمداد الملائكة وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ.. وهذه الروايات تقول بل جعله مقاتلة، وإن هؤلاء السبعين الذين قتلوا من المشركين لم يمكن قتلهم إلا باجتماع ألف أو ألوف من الملائكة عليهم مع المسلمين الذين خصهم الله بما ذكر من أسباب النصر المتعددة.
ألا إن في هذا من تعظيم شأن المشركين، وتكبير شجاعتهم وتصغير شأن أفضل أصحاب الرسول وأشجعهم ما لا يصدر عن عاقل، إلا وقد سلب عقله لتصحيح روايات باطلة لا يصح لها سند، ولم يرفع منها إلا حديث مرسل عن ابن عباس ذكره الآلوسى وغيره بغير سند.
وابن عباس لم يحضر غزوة بدر لأنه كان صغيرا، فرواياته عنها حتى في الصحيح مرسلة. «٢».

(١) تفسير المنار ج ٤ ص ١١٣.
(٢) تفسير المنار ج ٩ ص ٥٦٥.


الصفحة التالية
Icon