وقوله لِيُبْلِيَ من البلاء بمعنى الاختبار. وهو يكون بالنعمة لإظهار الشكر، كما يكون بالمحنة لإظهار الصبر. والمراد به هنا: الإحسان والنعمة والعطاء، ليزداد المؤمنون شكرا لربهم الذي وهبهم ما وهب من نعم.
واللام للتعليل متعلقة بمحذوف مؤخر.
والمعنى، ولكي يحسن- سبحانه- إلى عباده المؤمنين، وينعم عليهم بالنصر والغنائم، ليزدادوا شكرا له، فعل ما فعل من خذلان الكافرين وإذلالهم.
وقوله إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ تذييل قصد به الحض على طاعة الله، والتحذير من معصيته، أى: إن الله سميع لأقوالكم ودعائكم، عليم بضمائركم وقلوبكم، فاستبقوا الخيرات لتنالوا المزيد من رعايته ونصره.
ثم يقرر- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف، وهي تقوية الحق وتوهين الباطل، وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم، وثباتا على ثباتهم فيقول: ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ.
قال الإمام الرازي: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو مُوهِنُ- بفتح الواو وتشديد الهاء والتنوين. من التوهين. تقول وهنت الشيء أى ضعفته-، كَيْدِ بالنصب على المفعولية. وقرأ حفص عن عاصم مُوهِنُ كَيْدِ بالإضافة. وقرأ الباقون مُوهِنُ بالتخفيف، - من أوهننه فأنا موهنه بمعنى أضعفته- وكَيْدِ بالنصب وتوهين الله كيدهم ومكرهم يكون بأشياء منها: إطلاع المؤمنين على عوراتهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، وتفريق كلمتهم، «١».
واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى ما سبق من نعمة الإبلاء والقتل والرمي وغير ذلك من النعم. وهو مبتدأ وخبره محذوف، وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ.... معطوف عليه.
المعنى: ذلكم الذي منحته إياكم من العطاء الحسن، والقتل للمشركين، والإمداد بالملائكة، وإنزال الماء عليكم. ذلكم كله نعم منى إليكم، ويضاف إلى ذلك كله أنّه- سبحانه- مضعف لكيد الكافرين ومفسد لمكرهم بكم.
قال ابن كثير: وهذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر، فإنه أعلمهم بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل، مصغر أمرهم، وأنهم في تبار ودمار» «٢» وبعد أن ذكر- سبحانه- عباده المؤمنين بما حباهم به من منن في غزوة بدر، ليستمروا على طاعتهم له ولرسوله.. أتبع ذلك بتوجيه الخطاب إلى الكافرين الذين حملهم الرسوخ في الكفر على أن يدعو الله أن يجعل

(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٤١.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٩٦.


الصفحة التالية
Icon