وعن سعيد بن جبير: كانت قريش يعارضون النبي ﷺ في الطواف يستهزئون به، يصفرون ويصفقون «١».
وقال الفخر الرازي: فإن قيل المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف جاز استثناؤهما من الصلاة؟
قلنا: فيه وجوه: الأول: أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة فخرج هذا الاستثناء على حسب، معتقدهم.
الثاني: أن هذا كقولك: وددت الأمير فجعل جفائى صلتي. أى: أقام الجفاء مقام الصلة فكذا هنا.
الثالث: الغرض منه أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له. كما تقول العرب:
ما لفلان عيب إلا السخاء. يريد من كان السخاء عيبه فلا عيب له «٢».
وقوله: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وعيد لهم على كفرهم وجحودهم، واستهزائهم بشعائر الله.
أى: فذوقوا- أيها الضالون- العذاب الشديد بسبب كفركم وعنادكم واستهزائكم بالحق الذي جاءكم به محمد ﷺ من عند الله، ثم حكى- سبحانه- ما كانوا يفعلونه من إنفاق أموالهم لا في الخير ولكن في الشرور والآثام وتوعدهم على ذلك بسوء المصير فقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ...
روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما ذكره محمد بن إسحاق عن الزهري وغيره قالوا: لما أصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلّهم- أى جيشهم المهزوم- إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد الله بن ربيعة وعكرمة بن أبى جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم في بدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب، ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن أصيب منا.
ففعلوا. قال: ففيهم- كما ذكر عن ابن عباس- أنزل الله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية «٣».
وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: نزلت في أبى سفيان بن حرب، استأجر يوم غزوة أحد ألفين من الأحابيش من بنى كنانة، فقاتل بهم النبي صلى الله عليه وسلم:

(١) تفسير ابن جرير ج ٩ ص ٢٤٠. [.....]
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٦٠.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٠٧.


الصفحة التالية
Icon