والمستقر والمستودع: اسما مكان لمحل الاستقرار والإيداع للدابة في هذا الكون، سواء أكان ذلك في الأصلاب أم في الأرحام أم في القبور أم في غيرها.
قال الشوكانى: أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس في قوله وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها قال: حيث تأوى. ومستودعها قال: حيث تموت.
وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال:
مستقرها في الأرحام ومستودعها حيث تموت.
قال: ويؤيد هذا التفسير الذي ذهب اليه ابن مسعود ما أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال: إذا كان أجل أحدكم بأرض، أتيحت له إليها حاجة، حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض، فتقول الأرض يوم القيامة: هذا ما استودعتني» «١».
وقوله: كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ تذييل قصد به بيان دقة علمه- سبحانه- بعد بيان شمول هذا العلم وإحاطته بكل شيء.
والتنوين في كُلٌّ هو تنوين العوض، أى: كل ما يتعلق برزق هذه الدواب ومستقرها ومستودعها مسجل في كتاب مبين، أى: في كتاب واضح جلى ظاهر في علم الله- سبحانه-، بحيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ.
ثم ساق- سبحانه- ما يشهد بعظيم قدرته فقال- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ....
والأيام جمع يوم، والمراد به هنا مطلق الوقت الذي لا يعلم مقداره إلا الله- تعالى-.
أى: وهو- سبحانه- الذي أنشأ السموات والأرض وما بينهما، على غير مثال سابق، في ستة أيام من أيامه- تعالى-، التي لا يعلم مقدار زمانها إلا هو.
وقيل: أنشأهن في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا.
قال سعيد بن جبير- رضى الله عنه-: كان الله قادرا على خلق السموات والأرض وما بينهما في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام، تعليما لعباده التثبت والتأنى في الأمور.

(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٤٨٤.


الصفحة التالية
Icon