وقوله لِجَنْبِهِ في موضع الحال من فاعل دَعانا وأَوْ لتنويع الأحوال، أو لأصناف المضار.
والتعبير بقوله- سبحانه- مَرَّ يمثل أدق تصوير لطبيعة الإنسان الذي يدعو الله عند البلاء، وينساه عند الرخاء، فهو في حالة البلاء يدعو الله في كل الأحوال، فإذا ما انكشف عنه البلاء مر واندفع في تيار الحياة. بدون كابح، ولا زاجر، ولا مبالاة، وبدون توقف ليتدبر أو ليعتبر...
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: كما زين لهذا الإنسان الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء، زين لهؤلاء المسرفين المتجاوزين لحدود الله، ما كانوا يعملونه من إعراض عن ذكره، ومن غفلة عن حكمته وعن سننه في كونه.
قال الآلوسى: «وفي الآية ذم لمن يترك الدعاء في الرخاء، ويهرع إليه في الشدة، واللائق بحال العاقل التضرع إلى مولاه في السراء والضراء، فإن ذلك أرجى للإجابة. ففي الحديث الشريف: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة».
وأخرج أبو الشيخ عن أبى الدرداء قال: ادع الله يوم سرائك يستجب لك يوم ضرائك.
وفي حديث للترمذي عن أبى هريرة ورواه الحاكم عن سلمان وقال صحيح الإسناد «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكروب، فليكثر من الدعاء عند الرخاء» «١».
وقال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: «وقد ذم الله- تعالى- من هذه طريقته وصفته في الدعاء. أما من رزقه الله الهداية والسداد والتوفيق والرشاد فإنه مستثنى من ذلك، - لأنه يدعو الله في الشدة والرخاء-، وفي الحديث الشريف: «عجبا لأمر المؤمن لا يقضى الله له قضاء إلا كان خيرا له: إن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له، وإن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» «٢».
وبعد أن بين- سبحانه- جانبا من شأنه مع الناس ومن شأنهم معه. أتبع ذلك ببيان مصير الأمم الظالمة ليكون في ذلك عبرة وعظة فقال- تعالى-:
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٠٩.