المخلوقين وأعظمها وأجلها، إذ لو كان هناك وصف أعظم منه في هذا المقام لعبر به، وللإشارة- أيضا- إلى تقرير هذه العبودية لله- تعالى- وتأكيدها، حتى لا يلتبس مقام العبودية بمقام الألوهية، كما التبسا في العقائد المسيحية، حيث ألهوا عيسى- عليه السلام-، وألهوا أمه مريم، مع أنهما بريئان من ذلك..
قال الشيخ القاسمى نقلا عن الإمام ابن القيم في كتاب «طريق الهجرتين» : أكمل الخلق أكملهم عبودية لله- تعالى-، ولهذا كان النبي ﷺ أقرب الخلق إلى الله- تعالى- وأعظمهم عنده جاها، وأرفعهم عنده منزلة، لكماله في مقام العبودية. وكان ﷺ يقول:
«أيها الناس ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي. إنما أنا عبد». وكان يقول: «لا تطرونى كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله».
وذكره- سبحانه- بسمة العبودية في أشرف مقاماته: في مقام الإسراء حيث قال:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ.
وفي مقام الدعوة حيث قال: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ...
وفي مقام التحدي حيث قال: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا «١».
وقوله: لَيْلًا ظرف زمان لأسرى.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟.
قلت: أراد بقوله ليلا بلفظ التنكير، تقليل مدة الإسراء، وأنه أسرى به بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية... » «٢».
وقوله: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بيان لابتداء الإسراء وانتهائه.
أى: جل شأن الله- عز وجل- وتنزه عن كل نقص، حيث أسرى بعبده محمد ﷺ في جزء من الليل، من المسجد الحرام الذي بمكة إلى المسجد الأقصى الذي بفلسطين.
ووصف مسجد مكة بالحرام، لأنه لا يحل انتهاكه بقتال فيه، ولا بصيد صيده، ولا بقطع شجره.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٢٦.