الخير والشر، وطلب منهم إيثار الطاعة، على المعصية، فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمرهم.. «١».
ومن المفسرين من يرى أن قوله- تعالى-: أَمَرْنا
بمعنى كثّرنا- بتشديد الثاء- وقرئ أَمَرْنا
بتشديد الميم، أى: كثرنا مترفيها وجعلناهم أمراء مسلطين..
ولكن هذه القراءة. وقراءة آمرنا بمعنى «كثرنا» أيضا، ليستا من القراءات السبعة أو العشرة، وإنما هما من القراءات الشاذة.
قال الإمام ابن جرير: وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأ «أمرنا» بقصر الألف وتخفيف الميم- لإجماع الحجة من القراء بتصويبها دون غيرها وإذا كان ذلك هو الأولى بالصواب بالقراءة، فأولى التأويلات به تأويل من تأوله: أمرنا أهلها بالطاعة فعصوا وفسقوا فيها. فحق عليهم القول، لأن الأغلب من معنى أَمَرْنا
الأمر الذي هو خلاف النهى دون غيره.
وتوجيه معاني كلام الله- جل ثناؤه- إلى الأشهر الأعرف من معانيه، أولى ما وجد إليه سبيل من غيره.. «٢».
ويبدو لنا أن الرأى الأول الذي سار عليه جمهور المفسرين، وعلى رأسهم الإمام ابن جرير، أولى بالقبول، لأسباب منها:
ان القرآن الكريم يؤيده في كثير من آياته، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها، قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ.. «٣».
فقوله- تعالى-: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ دليل واضح على أن قوله- سبحانه-: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها..
معناه: أمرناهم بالطاعة ففسقوا، وليس معناه أمرناهم بالفسق ففسقوا لأنه- سبحانه- لا يأمر لا بالفسق ولا بالفحشاء.
ومنها: أن الأسلوب العربي السليم يؤيده لأنك إذا قلت: أمرته فعصاني كان المعنى المتبادر والظاهر من هذه الجملة، أمرته بالطاعة فعصاني، وليس معناه. أمرته بالعصيان فعصاني.
ومنها: أن حمل الكلام على الحقيقة- كما سار جمهور المفسرين- أولى من حمله على المجاز- كما ذهب صاحب الكشاف-.

(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٢.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٥ ص ٤٣. [.....]
(٣) سورة الأعراف الآية ٢٨.


الصفحة التالية
Icon