ما بينكم وبين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور.
ثم جاءوا إلى رسول الله ﷺ فقالوا يا محمد أخبرنا، ثم سألوه عما قالته لهم يهود.
فقال لهم رسول الله ﷺ سأجيبكم غدا بما سألتم عنه ولم يستثن-: أى. ولم يقل إن شاء الله- فانصرفوا عنه.
ومكث رسول الله ﷺ خمس عشرة ليلة. لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل- عليه السلام- حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا، واليوم خمسة عشر قد أصبحنا فيها، لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه. وحتى أحزن رسول الله ﷺ مكث الوحى عنه، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من عند الله بسورة أصحاب أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله- تعالى- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «١».
والخطاب في قوله- تعالى- أَمْ حَسِبْتَ.. للرسول ﷺ ويدخل فيه غيره من المكلفين.
و «أم» في هذه الآية هي المنقطعة، وتفسر عند الجمهور بمعنى بل والهمزة، أى: بل أحسبت، وعند بعض العلماء تفسر بمعنى بل، فتكون للانتقال من كلام إلى آخر، أى: بل حسبت. ويرى بعضهم أنها هنا بمعنى الهمزة التي للاستفهام الإنكارى أى: أحسبت أن أصحاب الكهف والرقيم.
والكهف: هو النقب المتسع في الجبل، فإن لم يكن فيه سعة فهو غار، وجمعه كهوف.
والمراد به هنا: ذلك الكهف الذي اتخذه هؤلاء الفتية مستقرا لهم.
وأما الرقيم فقد ذكروا في المراد به أقوالا متعددة منها: أنه اسم كلبهم، ومنها أنه اسم الجبل أو الوادي الذي كان فيه الكهف، ومنها أنه اسم القرية التي خرج منها هؤلاء الفتية.
ولعل أقرب الأقوال إلى الصواب أن المراد به اللوح الذي كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم وقصتهم، فيكون الرقيم بمعنى المرقوم- فهو فعيل بمعنى مفعول- ومأخوذ من رقمت الكتاب إذا كتبته.

(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٣٢. [.....]


الصفحة التالية