وشبيه بهذه الآية في تعجيز المشركين وتجهيلهم قوله تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا، إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ «١».
وقوله- سبحانه-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ، أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ، ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «٢» :
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على تكذيبهم لقومهم، ووصفهم إياهم بالظلم فقال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً.
أى: لا أحد أشد ظلما من قوم افتروا على الله- تعالى- الكذب، حيث زعموا أن له شريكا في العبادة والطاعة، مع انه- جل وعلا- منزه عن الشريك والشركاء: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما تناجوا به فيما بينهم، بعد أن وضح موقفهم وضوحا صريحا حاسما، وبعد أن أعلنوا كلمة التوحيد بصدق وقوة.. فقال- تعالى-: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً.
و «إذ» يبدو أنها هنا للتعليل. والاعتزال: تجنب الشيء سواء أكان هذا التجنب بالبدن أم بالقلب. و «ما» في قوله وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ اسم موصول في محل نصب معطوف على الضمير في قوله اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وقوله: إِلَّا اللَّهَ استثناء متصل، بناء على أن القوم كانوا يعبدون الله- تعالى- ويشركون معه في العبادة الأصنام. و «من» قالوا إنها بمعنى البدلية.
وقوله: مِرفَقاً من الارتفاق: بمعنى الانتفاع، وقرأ نافع وابن عامر مرفقا- بفتح الميم وكسر الفاء.
والمعنى: أن هؤلاء الفتية بعد أن أعلنوا كلمة التوحيد، وعقدوا العزم على مفارقة قومهم المشركين تناجوا فيما بينهم وقالوا: ولأجل ما أنتم مقدمون عليه من اعتزالكم لقومكم الكفار، واعتزالكم الذي يعبدونه من دون الله لأجل ذلك فالجأوا إلى الكهف، واتخذوه
(٢) سورة الأحقاف الآية ٤.