مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ
«١».
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ جانبا من رحمة الله- تعالى- بعبده زكريا، ومن الدعوات التي تضرع بها إلى خالقه- عز وجل-، وأن الله- تعالى- قد أجاب له دعاءه، وبشره بيحيى، وعرفه بالعلامة التي بها يعرف وقوع ما بشره به، زيادة في اطمئنانه وسروره.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن يحيى، فبينت ما أمره الله- تعالى- به، وما منحه من صفات فاضلة. فقال- تعالى-:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٢ الى ١٥]
يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)
وقوله- سبحانه-: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ مقول لقول محذوف، والسر في حذفه المسارعة إلى الإخبار بإنجاز الوعد الكريم.
والتقدير: وبعد أن ولد يحيى، ونما وترعرع قلنا له عن طريق وحينا: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ الذي هو التوراة بِقُوَّةٍ أى: بجد واجتهاد، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب، فإن بركة العلم في العمل به.
والجار والمجرور بِقُوَّةٍ حال من فاعل خذ وهو يحيى، والباء للملابسة أى: خذه حالة كونك ملتبسا بحفظه وتنفيذ أحكامه بشدة وثبات.
وقوله: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أى: وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا الْحُكْمَ أى: فهم الكتاب والعمل بأحكامه، وهو في سن الصبا.
قيل: كان سنه ثلاث سنين، وقيل سبع سنين.