قال الآلوسى ما ملخصه: «وإنما قالت ذلك مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل من الوعد الكريم، استحياء من الناس، وخوفا من لائمتهم، أو حذرا من وقوع الناس في المعصية بسبب كلامهم في شأنها.
وتمنى الموت لمثل ذلك لا كراهة فيه- لأنه يتعلق بأمر ديني- نعم يكره أن يتمنى المرء الموت لأمر دنيوى كمرض أو فقر.. ففي صحيح مسلم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل به، فإن كان لا بد متمنيا فليقل: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي».
ومن ظن أن تمنى مريم الموت كان لشدة الوجع فقد أساء الظن «١».
ثم ذكر- سبحانه- جانبا من إكرامه لمريم في تلك الساعات العصيبة من حياتها فقال:
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي، قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً....
والذي ناداها يرى بعضهم أنه جبريل- عليه السلام-. وقوله مِنْ تَحْتِها فيه قراءتان سبعيتان: إحداهما: بكسر الميم في لفظ مِنْ على أنه حرف جر، وخفض تاء تَحْتِها على أنه مجرور بحرف الجر والفاعل محذوف أى: فناداها جبريل من مكان تحتها، أى أسفل منها...
والثانية: بفتح الميم في لفظ مِنْ على أنه اسم موصول، فاعل نادى وبفتح التاء في تَحْتِها على الظرفية، أى: فناداها الذي هو تحتها، وهو جبريل- عليه السلام-.
قال القرطبي: قوله- تعالى- فَناداها مِنْ تَحْتِها.
قال ابن عباس: المراد بمن تحتها جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.. ففي هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة، التي لله- تعالى- فيها مراد عظيم» «٢».
ويرى بعض المفسرين أن المنادى هو عيسى- عليه السلام- فيكون المعنى: فناداها ابنها عيسى الذي كان عند ما وضعته موجودا تحتها.
وقد رجح الإمام ابن جرير هذا الرأى فقال: «وأولى القولين في ذلك عندنا قول من قال: الذي ناداها ابنها عيسى، وذلك أنه من كناية- أى ضمير- ذكره أقرب منه من ذكر جبريل، فرده على الذي هو أقرب إليه أولى من رده على الذي هو أبعد منه، ألا ترى أنه في
(٢) تفسير القرطبي ج ١١ ص ٩٢.