وَلَوْ أَنَّ مَا عَالَجْتُ لِينَ فُؤَادِهَا | فَقَسَا اسْتَلْيِنُ بِهِ لَلَانَ الْجَنْدَلُ |
وَاسْتَوْقَدَ: اسْتَفْعَلَ، وَهِيَ بِمَعْنَى أَفْعَلَ. حَكَى أَبُو زَيْدٍ: أَوْقَدَ وَاسْتَوْقَدَ بِمَعْنًى، وَمِثْلُهُ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ، وَأَخْلَفَ لِأَهْلِهِ وَاسْتَخْلَفَ أَيْ خَلَّفَ الْمَاءَ، أَوْ لِلطَّلَبِ، جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى أَوْقَدَ، قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَهُوَ أَرْجَحُ لِأَنَّ جَعْلَهَا لِلطَّلَبِ يَقْتَضِي حَذْفَ جُمْلَةٍ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى، وَجَعْلُهَا بِمَعْنَى أَوْقَدَ لَا يَقْتَضِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى فِي الطَّلَبِ اسْتَدْعَوْا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا، فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ، لِأَنَّ الْإِضَاءَةَ لَا تَتَسَبَّبُ عَنِ الطَّلَبِ، إِنَّمَا تَتَسَبَّبُ عَنِ الِاتِّقَادِ، فَلِذَلِكَ كَانَ حَمْلُهَا عَلَى غَيْرِ الطَّلَبِ أَرْجَحَ، وَالتَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ قِصَّةٍ وَقِصَّةٍ، فَلَا يَحْتَاجُ فِي نَحْوِ هَذَا التَّشْبِيهِ إِلَى مُقَابَلَةِ جَمَاعَةٍ بِجَمَاعَةٍ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً «١»، وَعَلَى أَنَّهُ فِي قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا، هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ أَيْضًا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ كَمَثَلِ الْجَمْعِ؟ أَوِ الْفَوْجِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ، فَهُوَ مِنَ الْمُفْرَدِ اللَّفْظِ الْمَجْمُوعِ الْمَعْنَى. عَلَى أَنَّ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ تَخَيَّلَ أَنَّهُ مُفْرِدٌ وَرَامَ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، فَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ التَّقْدِيرُ، كَمَثَلِ أَصْحَابِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَضْنَاهُ مُفْرَدًا لَفْظًا وَمَعْنًى لَمَا احْتِيجَ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ إِنَّمَا جَرَى فِي قِصَّةٍ بِقِصَّةٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تُشْتَرَطُ الْمُقَابَلَةُ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَنَكَّرَ نَارًا وَأَفْرَدَهَا،
(١) سورة الجمعة: ٦٢/ ٥.