السَّبَبِيَّةُ. فَالْمَاءُ سَبَبٌ لِلْخُرُوجِ، كَمَا أَنَّ مَاءَ الْفَحْلِ سَبَبٌ فِي خَلْقِ الْوَلَدِ، وَهَذِهِ السَّبَبِيَّةُ مَجَازٌ، إِذِ الْبَارِي تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أن ينشىء الْأَجْنَاسَ، وَقَدْ أَنْشَأَ مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ وَلَا سَبَبٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَدَ خَلْقَهُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ أَمْرٍ مَا، أَجْرَى ذَلِكَ الْأَمْرَ مَجْرَى السَّبَبِ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ. وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي إِنْشَاءِ الْأُمُورِ مُنْتَقِلَةً مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ حِكَمٌ يُسْتَنْصَرُ بِهَا، لَمْ يَكُنْ فِي إِنْشَائِهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ انْتِقَالِ أَطْوَارٍ، لِأَنَّ فِي كُلِّ طَوْرٍ مُشَاهَدَةَ أَمْرٍ مِنْ عَجِيبِ التَّنَقُّلِ وَغَرِيبِ التَّدْرِيجِ تَزِيدُ الْمُتَأَمِّلَ تَعْظِيمًا لِلْبَارِي. مِنَ الثَّمَرَاتِ: مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الثَّمَرَاتِ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى ارْتِكَابِ أَنَّ الثَّمَرَاتِ مِنْ بَابِ الْجُمُوعِ الَّتِي يَتَفَاوَتُ بَعْضُهَا مَوْضِعَ بَعْضٍ لِالْتِقَائِهِمَا فِي الْجَمْعِيَّةِ، نَحْوُ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ «١»، وثَلاثَةَ قُرُوءٍ «٢»، فَقَامَتِ الثَّمَرَاتُ مَقَامَ الثَّمَرِ أَوِ الثِّمَارِ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، فَهُوَ وإن كان جمع قلة، فَإِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الَّتِي لِلْعُمُومِ تَنْقِلُهُ مِنَ الِاخْتِصَاصِ لِجَمْعِ الْقِلَّةِ لِلْعُمُومِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرَاتِ وَالثِّمَارِ، إِذِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِيهِمَا، وَلِذَلِكَ رَدَّ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى مَنْ نَقَدَ عَلَى حَسَّانَ قَوْلَهُ:
لَنَا الْجَفَنَاتُ الغر يا معن فِي الضُّحَى | وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دَمَا |
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٢٨.