وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَيَزِيدُ: بِكَسْرِ الشِّينِ. وَرَوَى ذَلِكَ نُعَيْمٌ السَّعِيدِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْإِسْكَانُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لُغَةُ تَمِيمٍ، وَكَسْرُهُمْ لَهَا نَادِرٌ فِي قِيَاسِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُخَفِّفُونَ فَعِلًا، يَقُولُونَ فِي نَمِرٍ: نِمْرٌ. وَقَرَأَ ابْنُ الْفَضْلِ الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَعْمَشُ: بِفَتْحِ الشِّينِ. وَرُوِيَ عَنِ الْأَعْمَشِ: الْإِسْكَانُ، وَالْكَسْرُ أَيْضًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْفَتْحُ لُغَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ الَمَهْدَوِيُّ: فَتْحُ الشِّينِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لُغَةً، وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ فَتْحَ الشين شاذ، وعشرة فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالْإِضَافَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ النُّونِ، فَهُوَ مِمَّا أُعْرِبَ فِيهِ الصَّدْرُ وَبُنِيَ الْعَجُزُ. أَلَا تَرَى أَنَّ اثْنَتَيْ مُعْرَبٌ إِعْرَابَ الْمُثَنَّى لِثُبُوتِ أَلِفِهِ رَفْعًا وَانْقِلَابِهَا نَصْبًا وَجَرًّا، وَأَنَّ عَشْرَةَ مَبْنِيٌّ؟ وَلَمَّا تَنَزَّلَتْ مَنْزِلَةَ نُونِ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ إِضَافَتُهَا، فَلَا يُقَالُ: اثْنَتَا عَشْرَتَكَ. وَفِي مَحْفُوظِي أَنَّ ابْنَ دَرَسْتَوَيْهِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ اثْنَا وَاثْنَتَا وَثِنْتَا مَعَ عَشْرٍ مَبْنِيٌّ، وَلَمْ يَجْعَلْ الِانْقِلَابَ دَلِيلَ الْإِعْرَابِ.
عَيْناً: مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَإِفْرَادُ التَّمْيِيزِ الْمَنْصُوبِ فِي بَابِ الْعَدَدِ لَازِمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ أَنَّ يَكُونَ جَمْعًا، وَكَانَ هَذَا الْعَدَدُ دُونَ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا، وَكَانَ بَيْنَهُمْ تَضَاغُنٌ وَتَنَافُسٌ، فَأَجْرَى اللَّهُ لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنًا يَرِدُهُ، لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ السِّبْطِ الْآخَرِ، وَذِكْرُ هَذَا الْعَدَدِ دُونَ غَيْرِهِ يُسَمَّى التَّخْصِيصَ عِنْدَ أَهْلِ عِلْمِ الْبَيَانِ، وَهُوَ أَنْ يُذْكَرَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ لِمَعْنًى فِيهِ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى «١»، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ التَّخْصِيصِ فِيهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فِي مَوْضِعِهَا، وَقَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
يُذَكِّرُنِي طُلُوعُ الشَّمْسِ صَخْرًا | وَأَنْدُبُهُ بِكُلِّ مَغِيبِ شَمْسِ |
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ: جُمْلَةُ اسْتِئْنَافٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ سِبْطٍ مِنْهُمْ قَدْ صَارَ لَهُ مَشْرَبٌ يَعْرِفُهُ فَلَا يَتَعَدَّاهُ لِمَشْرَبِ غَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِحِكْمَةِ الِانْقِسَامِ إِلَى اثْنَتَيْ عشرة
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٣، وسورة النور: ٢٤/ ٤٤.