اعْتَصَمَ، وَاسْتَغْنَى مُوَافِقُ غِنًى، وَاسْتَنْكَفَ وَاسْتَحْيَا مُغْنِيَانِ عَنِ الْمُجَرَّدِ، وَاسْتَرْجَعَ، وَاسْتَعَانَ حَلَقَ عَانَتَهُ، مُغْنِيَانِ عَنْ فَعَلَ، فَاسْتَعَانَ طَلَبَ الْعَوْنَ، كَاسْتَغْفَرَ، وَاسْتَعْظَمَ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: وَقَدْ جَاءَ فِيهِ وِيَّاكَ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ وَاوًا، فَلَا أَدْرِي أَذَلِكَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَمْ عَنِ الْعَرَبِ، وَهَذَا عَلَى الْعَكْسِ مِمَّا فَرُّوا إِلَيْهِ فِي نَحْوِ أَشَاحَ فِيمَنْ هَمَزَ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا مِنَ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ إِلَى الْهَمْزَةِ، وَاسْتِثْقَالًا لِلْكَسْرَةِ عَلَى الْوَاوِ. وُفِي وَيَّاكَ فَرُّوا مِنَ الْهَمْزَةِ إِلَى الْوَاوِ، وَعَلَى لُغَةِ مَنْ يَسْتَثْقِلُ الْهَمْزَةَ جُمْلَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ شَبَهِ التَّهَوُّعِ، وَبِكَوْنِ اسْتَفْعَلَ أَيْضًا لِمُوَافَقَةِ تَفَاعَلَ وَفَعَلَ. حَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ: تَمَاسَكْتُ بِالشَّيْءِ وَمَسَكْتُ بِهِ وَاسْتَمْسَكَ بِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيِ احْتَبَسْتُ بِهِ، قَالَ وَيُقَالُ: مَسَكْتُ بِالشَّيْءِ وَأَمْسَكْتُ وَتَمَسَّكْتُ، احْتَبَسْتُ، انْتَهَى. فَتَكُونُ مَعَانِي اسْتَفْعَلَ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ لِزِيَادَةِ مُوَافَقَةِ تَفَاعَلَ وَتَفَعَّلَ. وَفَتْحُ نُونِ نَسْتَعِينُ قَرَأَ بِهَا الْجُمْهُورُ، وَهِيَ لُغَةُ الْحِجَازِ، وَهِيَ الْفُصْحَى. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَعْمَشُ، بِكَسْرِهَا، وَهِيَ لُغَةُ قَيْسٍ، وَتَمِيمٍ، وَأَسَدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ فِي هَذَا الْفِعْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ: هِيَ لُغَةُ هَذِيلٍ، وَانْقِلَابُ الْوَاوِ أَلِفًا فِي اسْتَعَانَ وَمُسْتَعَانٍ، وَيَاءً فِي نَسْتَعِينُ وَمُسْتَعِينٍ، وَالْحَذْفُ فِي الِاسْتِعَانَةِ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ التَّصْرِيفِ، وَيُعَدَّى اسْتَعَانَ بِنَفْسِهِ وَبِالْبَاءِ. إِيَّاكَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِلِ إِلَّا لِلتَّخْصِيصِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيرِهِ بِسْمِ اللَّهِ أَتْلُوا، وَذَكَرْنَا نَصَّ سِيبَوَيْهِ هُنَاكَ. فَالتَّقْدِيمُ عِنْدَنَا إِنَّمَا هُوَ لِلِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ بِالْمَفْعُولِ. وَسَبَّ أَعْرَابِيٌّ آخَرَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَقَالَ: إِيَّاكَ أَعْنِي، فَقَالَ لَهُ: وَعَنْكَ أُعْرِضُ، فَقَدَّمَا الْأَهَمَّ، وَإِيَّاكَ الْتِفَاتٌ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنَ الْغَيْبَةِ، إِذْ لَوْ جَرَى عَلَى نسق وَاحِدٍ لَكَانَ إِيَّاهُ. وَالِانْتِقَالُ مِنْ فُنُونِ الْبَلَاغَةِ، وَهُوَ الِانْتِقَالُ مِنَ الْغَيْبَةِ لِلْخِطَابِ أَوِ التَّكَلُّمِ، وَمِنَ الْخِطَابِ لِلْغَيْبَةِ أَوِ التَّكَلُّمِ، وَمِنَ التَّكَلُّمِ لِلْغَيْبَةِ أَوِ الْخِطَابِ. وَالْغَيْبَةُ تَارَةً تَكُونُ بِالظَّاهِرِ، وَتَارَةً بِالْمُضْمَرِ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَدْلُولُ وَاحِدًا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِإِيَّاكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَقَالُوا فَائِدَةُ هَذَا الِالْتِفَاتِ إِظْهَارُ الْمَلَكَةِ فِي الْكَلَامِ، وَالِاقْتِدَارِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَزِيدًا عَلَى هَذَا، وَهُوَ إِظْهَارُ فَائِدَةٍ تخص كل موضع مَوْضِعٍ، وَنَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ يَقَعُ لَنَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَفَائِدَتُهُ فِي إِيَّاكَ نَعْبُدُ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ الْمُتَّصِفِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمُلْكِ وَالْمَلِكِ لِلْيَوْمِ الْمَذْكُورِ، أَقْبَلَ الْحَامِدُ مُخْبِرًا بِأَثَرِ ذِكْرِهِ الْحَمْدَ الْمُسْتَقِرَّ لَهُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ، أَنَّهُ وَغَيْرُهُ يَعْبُدُهُ وَيَخْضَعُ لَهُ. وَكَذَلِكَ أَتَى بِالنُّونِ الَّتِي تَكُونُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، فَكَمَا أَنَّ الْحَمْدَ يَسْتَغْرِقُ الْحَامِدِينَ،


الصفحة التالية
Icon