عَبْدُ اللَّهِ: نَقَضَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ تُخَالِفُ سَوَادَ الْمُصْحَفِ، فَالْأَوْلَى حَمْلُهَا عَلَى التَّفْسِيرِ.
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُمَلِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَيَكُونَ أَكْثَرُهُمْ مُبْتَدَأً، وَلَا يُؤْمِنُونَ خبر عَنْهُ، وَالضَّمِيرُ فِي أَكْثَرِهِمْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي عَاهَدُوا، وَهُمُ الْيَهُودُ. وَمَعْنَى هَذَا الْإِضْرَابِ هُوَ: انْتِقَالٌ مِنْ خَبَرٍ إِلَى خَبَرٍ، وَيَكُونُ الْأَكْثَرُ عَلَى هَذَا وَاقِعًا على ما لا يَقَعُ عَلَيْهِ الْفَرِيقُ، كَأَنَّهُ أَعَمُّ، لِأَنَّ مَنْ نَبَذَ الْعَهْدَ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَلِ الْفَرِيقُ الَّذِي نَبَذَ الْعَهْدَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ، وَيَكُونَ أَكْثَرُهُمْ مَعْطُوفًا عَلَى فَرِيقٍ، أَيْ نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: لَا يُؤْمِنُونَ، جُمْلَةً حَالِيَّةً، الْعَامِلُ فِيهَا نَبَذَهُ، وَصَاحِبُ الْحَالِ هُوَ أَكْثَرُهُمْ. وَلَمَّا كَانَ الْفَرِيقُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَأُسْنِدَ النَّبْذُ إِلَيْهِ، كَانَ فِيمَا يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الذِّهْنُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّابِذُونَ قَلِيلًا، فَبَيَّنَ أَنَّ النَّابِذِينَ هُمُ الْأَكْثَرُ، وَصَارَ ذِكْرُ الْأَكْثَرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْفَرِيقَ هُنَا لَا يُرَادُ بِهِ الْيَسِيرُ مِنْهُمْ، فَكَانَ هَذَا إِضْرَابًا عَمَّا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُ الْفَرِيقِ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى الْقَلِيلِ. وَالضَّمِيرُ فِي أَكْثَرُهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْفَرِيقِ، أَوْ عَلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ، ذَكَرَ الْأَكْثَرَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالنَّبْذِ، أَوْ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ آمَنَ، وَمَنْ آمَنَ فَمَا نَبَذَ الْعَهْدَ.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ نَقَضَ عَهْدَ اللَّهِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي كُتُبِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ: الضَّمِيرُ فِي جَاءَهُمْ عَائِدٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ عَلَى عُلَمَائِهِمْ، وَالرَّسُولُ، محمد صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَوْ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، أَوْ مَعْنَاهُ الرِّسَالَةُ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا، كَمَا فَسَّرُوا بِذَلِكَ قَوْلَهُ:
لَقَدْ كَذَبَ الواشون ما بحت عندهم | بِلَيْلَى وَلَا أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ |