وَاسِعُ الْعَطَاءِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ: غَنِيٌّ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ: جَوَادٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَالِمٌ، مِنْ قَوْلِهِ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «١»، عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ، وَجُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيمٍ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ. وَقِيلَ: وَاسِعُ الْقُدْرَةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُوَسِّعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحكم ذينه يُسْرٌ. عَلِيمٌ: أَيْ بِمَصَالِحِهِمْ أَوْ بِنِيَّاتِ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ مِلَاكُ الْعَمَلِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ ظَوَاهِرُهَا فِي قِبْلَةٍ وَغَيْرِهَا. وَهَذِهِ التَّفَاسِيرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْقِبْلَةِ وَالصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى عَنْ عِلْمِهِ بِهِمْ، وَطَوَّقَ سُلْطَانَهُ إِيَّاهُمْ حَيْثُ كَانُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ «٢»، الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى «٣» الْآيَةَ، وَيَكُونُ فِي هَذَا تَهْدِيدٌ لِمَنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَسَعَى فِي خَرَابِهَا، أَنَّهُ لَا مَهْرَبَ لَهُ مِنَ اللَّهِ وَلَا مَفَرَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَيْنَ الْمَفَرُّ، كَلَّا لَا وَزَرَ، إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ»
، وَكَمَا قَالَ:
فَإِنَّكَ كَاللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي | وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ الْمُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ |
وَلَمْ يَكُنِ الْمُغْتَرُّ بِاللَّهِ إِذْ سَرَى | لِيُعْجِزَ وَالْمُعْتَزُّ بِاللَّهِ طَالِبُهْ |
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَلَا مَفَرَّ لِهَارِبٍ | وَلَهُ الْبَسِيطَانِ الثَّرَى وَالْمَاءُ |
وَجَاءَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُؤَكَّدَةً بِإِنَّ مُصَرَّحًا بِاسْمِ اللَّهِ فِيهَا دَالَّةً عَلَى الِاسْتِقْلَالِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ «٥»، وَكَقَوْلِهِ: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٦»، وَذَلِكَ أَفْخَمُ وَأَجْزَلُ مِنَ الضَّمِيرِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ يُشْعِرُ بِقُوَّةِ التَّعَلُّقِ وَالظَّاهِرَ يُشْعِرُ بِالِاسْتِقْلَالِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُلْحَظْ مَا قَبْلَهُ؟ بِخِلَافِ الضَّمِيرِ، فَإِنَّهُ رَابِطٌ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا. أَلَا تَرَى إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ بِالظَّاهِرِ؟ كَمَا مَثَّلْنَاهُ، وَكَقَوْلِهِ: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ «٧»، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ «٨»، وقال:
(٢) سورة الرحمن: ٥٥/ ٣٣.
(٣) سورة المجادلة: ٥٨/ ٧.
(٤) سورة القيامة: ٧٥/ ١٠- ١٢. [.....]
(٥) سورة البقرة: ٢/ ١١٠.
(٦) سورة المزمل: ٧٣/ ٢٠.
(٧) سورة النساء: ٤/ ١٠٣.
(٨) سورة البقرة: ٢/ ٢٠.