بِضَمِّ الْهَاءِ، وَكَذَلِكَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ وَبِهِ وَنُصْلِهِ وَنُوَلِّهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: فَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَوَصْلِهَا بِوَاوٍ، وَجَوَّزُوا فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِلَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ، وَخَبَرًا لَهَا مَعَ اسْمِهَا عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، أَنْ يَكُونَ صِفَةً وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ صِلَةِ رَيْبَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُضْمَرُ عَامِلٌ مِنْ لَفْظِ رَيْبَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ لَا رَيْبَ، إِذْ يَلْزَمُ إِذْ ذَاكَ إِعْرَابُهُ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْمَ لَا مُطَوَّلًا بِمَعْمُولِهِ نَحْوَ لَا ضَارِبًا زَيْدًا عِنْدَنَا، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ فِي بَابِ لَا الْعَامِلَةِ عَمَلَ إِنَّ إِذَا عُلِمَ لَمْ تَلْفِظْ بِهِ بَنُو تَمِيمٍ، وَكَثُرَ حَذْفُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَهُوَ هُنَا مَعْلُومٌ، فَأَحْمِلُهُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ فِي الْإِعْرَابِ، وَإِدْغَامُ الْبَاءِ مِنْ لَا رَيْبَ فِي فَاءِ فِيهِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْإِظْهَارُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ. وَقَدْ قَرَأْتُهُ بِالْوَجْهَيْنِ عَلَى الْأُسْتَاذِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الطَّبَّاعِ بِالْأَنْدَلُسِ، وَنَفْيُ الرَّيْبِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمَاهِيَّةِ، أَيْ لَيْسَ مِمَّا يَحِلُّهُ الرَّيْبُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَفْيِ الِارْتِيَابِ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ ارْتِيَابٌ مِنْ نَاسٍ كَثِيرِينَ. فَعَلَى مَا قُلْنَاهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى نَفْيِ التَّعْلِيقِ وَالْمَظِنَّةِ، كَمَا حَمَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ «١»
لِاخْتِلَافِ الْحَالِ وَالْمَحَلِّ، فَالْحَالُ هُنَاكَ الْمُخَاطَبُونَ، وَالرَّيْبُ هُوَ الْمَحَلُّ، وَالْحَالُ هُنَا مَنْفِيٌّ، وَالْمَحَلُّ الْكِتَابُ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِهِمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَوْنِ الرَّيْبَ مَنْفِيًّا عَنِ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ قَيَّدَ بَعْضُهُمُ الرَّيْبَ فَقَالَ: لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ عُمُومٌ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، أَيْ عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ لَا سَبَبَ فِيهِ لِوُضُوحِ آيَاتِهِ وَإِحْكَامِ مَعَانِيهِ وَصِدْقِ أَخْبَارِهِ. وَهَذِهِ التَّقَادِيرُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا. وَاخْتِيَارُ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ فِيهِ خَبَرٌ، وَبِذَلِكَ بَنَى عَلَيْهِ سُؤَالًا وَهُوَ أَنْ قَالَ: هَلَّا قُدِّمَ الظَّرْفُ عَلَى الرَّيْبِ كَمَا قُدِّمَ عَلَى الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا فِيها غَوْلٌ «٢» ؟ وَأَجَابَ: بِأَنَّ التَّقْدِيمَ يُشْعِرُ بِمَا يَبْعُدُ عَنِ الْمُرَادِ، وَهُوَ أَنَّ كِتَابًا غَيْرُهُ فِيهِ الرَّيْبُ، كَمَا قَصَدَ فِي قَوْلِهِ: لَا فِيها غَوْلٌ تَفْضِيلُ خَمْرِ الْجَنَّةِ عَلَى خُمُورِ الدُّنْيَا بِأَنَّهَا لَا تَغْتَالُ الْعُقُولَ كَمَا تَغْتَالُهَا هِيَ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَيْسَ فِيهَا مَا فِي غَيْرِهَا مِنْ هَذَا الْعَيْبِ وَالنَّقِيصَةِ. وَقَدِ انْتَقَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ إِلَى دَعْوَاهُ بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يُفَرِّقُ بَيْنَ: لَيْسَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ، وَلَيْسَ رَجُلٌ فِي الدَّارِ، وَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ خَمْرَ الْجَنَّةِ لَا يَغْتَالُ، وَقَدْ وَصَفَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ خَمْرَ الدُّنْيَا، قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ:

(١) سورة البقرة: ٢/ ٢٣.
(٢) سورة الصافات: ٣٧/ ٤٧.


الصفحة التالية
Icon