اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَكَ، هَذَانِ فِي الْخَبَرِ، وَهَذَانِ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَعَدَمُ عِلْمِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، فَلَمَّا عَمَّمَتْهَمَا التَّسْوِيَةُ جَرَى عَلَى الْخَبَرِ لَفَظُ الِاسْتِفْهَامِ لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي الْإِبْهَامِ، وَكُلُّ اسْتِفْهَامٍ تَسْوِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ تَسْوِيَةٍ اسْتِفْهَامًا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ فِي أَوَّلِهِ مُنَاقَشَةٌ، وَهُوَ قَوْلِهِ: أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَفْظُهُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي صُورَتُهُ صُورَةُ الِاسْتِفْهَامِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْخَبَرَ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمُفْرَدِ إِمَّا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ سَوَاءٌ أَوِ الْعَكْسُ، أَوْ فَاعِلُ سَوَاءٍ لِكَوْنِ سَوَاءٍ وَحْدَهُ خَبَرًا لِأَنَّ، وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ وَإِنَّمَا سَوَاءٌ، وَمَا بَعْدَهُ إِذَا كَانَ خَبَرًا أَوْ مُبْتَدَأً مَعْنَاهُ الْخَبَرَ. وَلُغَةُ تَمِيمٍ تَخْفِيفُ الْهَمْزَتَيْنِ فِي نَحْوِ أَأَنْذَرْتَهُمْ، وَبِهِ قَرَأَ الْكُوفِيُّونَ، وَابْنُ ذَكْوَانَ، وَهُوَ الْأَصْلُ. وَأَهْلُ الْحِجَازِ لَا يَرَوْنَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ، فَقَرَأَ الْحَرَمِّيَانِ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَهُشَامٌ:
بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عَمْرٍو، وَقَالُونَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَهُشَامٍ، يُدْخِلُونَ بَيْنَهُمَا أَلِفًا، وَابْنُ كَثِيرٍ لَا يُدْخِلُ. وَرُوِيَ تَحْقِيقًا عَنْ هِشَامٍ وَإِدْخَالُ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَرُوِيَ عَنْ وَرْشٍ، كَابْنِ كَثِيرٍ، وَكَقَالُونَ وَإِبْدَالُ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ أَلِفًا فَيَلْتَقِي سَاكِنَانِ عَلَى غَيْرِ حَدِّهِمَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَحْنٌ وَخُرُوجٌ عَنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا:
الْجَمْعُ بَيْنَ سَاكِنِينَ عَلَى غَيْرِ حَدِّهِ. الثَّانِي: إِنَّ طَرِيقَ تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ الْمَفْتُوحِ مَا قَبْلَهَا هُوَ بِالتَّسْهِيلِ بَيْنَ بَيْنَ لَا بِالْقَلْبِ أَلِفًا، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ طَرِيقُ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ، وَمَا قَالَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَقَدْ أَجَازَ الْكُوفِيُّونَ الْجَمْعَ بَيْنَ السَّاكِنِينَ عَلَى غَيْرِ الْحَدِّ الَّذِي أَجَازَهُ الْبَصْرِيُّونَ.
وَقِرَاءَةُ وَرْشٍ صَحِيحَةُ النَّقْلِ لَا تُدْفَعُ بِاخْتِيَارِ الْمَذَاهِبِ وَلَكِنَّ عَادَةَ هَذَا الرَّجُلِ إِسَاءَةُ الْأَدَبِ عَلَى أَهْلِ الْأَدَاءِ وَنَقْلَةِ لقرآن.
وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: أَنْذَرْتَهُمْ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ، حَذْفُ الْهَمْزَةِ الْأُولَى لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهَا، وَلِأَجْلِ ثُبُوتِ مَا عاد لها، وَهُوَ أَمْ، وَقَرَأَ أُبَيٌّ أَيْضًا بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَى الْمِيمِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا. وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِأَنْذَرَ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، التَّقْدِيرُ أَأَنْذَرْتَهُمُ الْعَذَابَ عَلَى كُفْرِهِمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمُوهُ؟ وَفَائِدَةُ الْإِنْذَارِ مَعَ تَسَاوِيهِ مَعَ الْعَدَمِ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِحُجَّتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ قَدْ دُعُوا فَلَمْ يُؤْمِنُوا، وَلِئَلَّا يَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ، وَأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْأَجْرِ بِمُعَانَاةِ مَنْ لَا قَبُولَ لَهُ لِلْإِيمَانِ وَمُقَاسَاتِهِ، وَإِنَّ فِي ذَلِكَ عُمُومَ إِنْذَارِهِ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ لِلْخَلْقِ كَافَّةً. وَهَلْ قَوْلُهُ: لَا يُؤْمِنُونَ خَبَرٌ عَنْهُمْ أَوْ حُكْمٌ عَلَيْهِمْ أَوْ ذَمٌّ لَهُمْ أَوْ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقْوَالٌ، وَظَاهِرُ قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخَتْمِهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ، وَكَنَّى بِالْخَتْمِ عَلَى الْقُلُوبِ عَنْ كَوْنِهَا لَا تَقْبَلُ