لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، كَمَا فَعَلَ بِإِخْوَانِهِمْ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَكَانَ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْجَيْشِ الَّذِينَ عَصَوْا مُوسَى فِي كَوْنِهِمْ لَمْ يَقْتُلُوا الْغُلَامَ ابْنَ مَلِكِ الْعَمَالِيقِ، تَرَكُوهُ لِجِمَالِهِ وَعَقْلِهِ.
وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَسْتَحْيُوا مِنْهُمْ أَحَدًا. فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الشَّامِ، وَجَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ مَاتَ.
فَقَالَ لَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ عُصَاةٌ، وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُمْ عَلَيْنَا بِلَادَنَا، فَانْصَرَفُوا إِلَى الْحِجَازِ، فَكَانُوا فِيهِ، فَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءُ الَّذِي أَجْلَاهُ بُخْتُ نَصَّرَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ. وَكَانَ اللَّهُ قَدْ كَتَبَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ جَلَاءً، فَنَالَهُمْ هَذَا الْجَلَاءُ عَلَى يَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالسَّيْفِ وَالْقَتْلِ، كَأَهْلِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِمْ.
وَيُقَالُ: جَلَا الْقَوْمُ عَنْ مَنَازِلِهِمْ وَأَجْلَاهُمْ غَيْرُهُمْ. قِيلَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَلَاءِ وَالْإِخْرَاجِ: أَنَّ الْجَلَاءَ مَا كَانَ مَعَ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، وَالْإِخْرَاجُ قَدْ يَكُونُ مَعَ بَقَاءِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَلَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِجَمَاعَةٍ، وَالْإِخْرَاجُ قَدْ يَكُونُ لِوَاحِدٍ وَجَمَاعَةٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْجَلَاءُ مَمْدُودًا وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَخُوهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ: مَقْصُورًا وَطَلْحَةُ:
مَهْمُوزًا مِنْ غَيْرِ ألف كالبنأ. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ: أَيْ إِنْ نَجُوا مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، لَمْ يَنْجُوا فِي الْآخِرَةِ. وَقَرَأَ طلحة: وَمَنْ يُشَاقِقْ بِالْإِظْهَارِ، كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الْأَنْفَالِ وَالْجُمْهُورُ بِالْإِدْغَامِ. كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ قَدْ شَرَعَ فِي بَعْضِ نَخْلِ بَنِي النَّضِيرِ يَقْطَعُ وَيَحْرِقُ، وَذَلِكَ فِي صَدْرِ الْحَرْبِ، فَقَالُوا: مَا هَذَا الْإِفْسَادُ يَا مُحَمَّدُ وَأَنْتَ تَنْهَى عَنِ الْإِفْسَادِ؟ فَكَفُّوا عَنْ ذَلِكَ، وَنَزَلَ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ الْآيَةَ رَدًّا عَلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَإِخْبَارًا أَنَّ ذَلِكَ بِتَسْوِيغِ اللَّهِ وَتَمْكِينِهِ لِيُخَرِّبَكُمْ بِهِ وَيُذِلَّكُمْ. وَاللِّينَةُ وَالنَّخْلَةُ اسْمَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
كَأَنَّ قُيُودِي فَوْقَهَا عُشُّ طَائِرٍ | عَلَى لِينَةٍ سَوْقَا يهفو حيونها |
طِرَاقُ الْحَوَامِي واقع فوق لينة | يدي ليلة في ولشه يَتَرَقْرَقُ |
الْكَرِيمَةُ مِنَ النَّخْلِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَسُفْيَانُ: مَا ثَمَرُهَا لَوْنٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ يُقَالُ لَهُ اللَّوْنُ. قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ شَدِيدُ الصُّفْرَةِ يَشِفُّ عَنْ نَوَاهُ فَيُرَى مِنْ خَارِجٍ. وَقَالَ أَيْضًا أَبُو عُبَيْدَةَ:
اللِّينُ: أَلْوَانُ النَّخْلِ الْمُخْتَلِطَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا عَجْوَةٌ وَلَا بَرْنِيٌّ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: هِيَ الْعَجْوَةُ،
وَقِيلَ: هِيَ السَّيَلَانُ، وَأَنْشَدَ فِيهِ: