تَرَاهُمْ كَالسَّحَابِ مُنْتَشِرًا | وَلَيْسَ فِيهَا لِطَالِبٍ |
مَطَرُ فِي شجر السر ومنهم شَبَهٌ | لَهُ رُوَاءٌ وَمَا لَهُ ثَمَرُ |
يَرُوعُهُ السِّرَارُ بِكُلِّ أَرْضٍ | مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ بِهِ السِّرَارُ |
مَا زِلْتَ تَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُمْ | خَيْلًا تَكِرُّ عَلَيْهِمْ وَرِجَالَا |
هِيَ الْعَدُوُّ. قُلْتُ: مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى الْخَبَرِ، كَمَا ذُكِرَ فِي هَذَا رَبِّي، وَأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ عَلَى يَحْسَبُونَ كُلَّ أَهْلِ صَيْحَةٍ. انْتَهَى. وَتَخْرِيجُ هُمُ الْعَدُوُّ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَحْسَبُونَ تَخْرِيجٌ مُتَكَلَّفٌ بَعِيدٌ عَنِ الْفَصَاحَةِ، بَلِ الْمُتَبَادِرِ إِلَى الذِّهْنِ السَّلِيمِ أَنْ يَكُونَ هُمُ الْعَدُوُّ إِخْبَارًا مِنْهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ، وَإِنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ وَأَتْبَاعُهُمْ، هُمُ الْمُبَالِغُونَ فِي عَدَاوَتِكَ وَلِذَلِكَ جَاءَ بَعْدَهُ أَمْرُهُ تَعَالَى إِيَّاهُ بِحَذَرِهِمْ فَقَالَ: فَاحْذَرْهُمْ، فَالْأَمْرُ بالحذر متسبب عن إخبار بأنهم هم العدو. وقاتَلَهُمُ اللَّهُ: دُعَاءٌ يَتَضَمَّنُ إِبْعَادَهُمْ، وَأَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ. أَنَّى يُؤْفَكُونَ: أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ، وَفِيهِ تَعَجُّبٌ مِنْ ضَلَالِهِمْ وَجَهْلِهِمْ.
وَلَمَّا أَخْبَرَهُ تَعَالَى بِعَدَاوَتِهِمْ، أَمَرَهُ بِحَذَرِهِمْ، فَلَا يَثِقُ بِإِظْهَارِ مَوَدَّتِهِمْ، وَلَا بلين كلامهم. وقاتَلَهُمُ اللَّهُ: كَلِمَةُ ذَمٍّ وَتَوْبِيخٍ، وَقَالَتِ الْعَرَبُ: قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْعَرَهُ. يَضَعُونَهُ مَوْضِعَ التَّعَجُّبِ، وَمَنْ قَاتَلَهُ اللَّهُ فَهُوَ مَغْلُوبٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ مُعَانِدٍ. وَكَيْفَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يَرَوْنَ رُشْدَ أَنْفُسِهِمْ؟ قَالَ ابن عطية: ويحتمل أن يَكُونَ أَنَّى ظَرْفًا لِقَاتَلَهُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ كَيْفَ انْصَرَفُوا أَوْ صُرِفُوا، فَلَا يَكُونُ فِي هَذَا الْقَوْلِ اسْتِفْهَامٌ عَلَى هَذَا. انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَنَّى لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِ، بل لا بد يَكُونَ ظَرْفًا اسْتِفْهَامًا، إِمَّا بِمَعْنَى أَيْنَ، أَوْ بِمَعْنَى مَتَى، أَوْ بِمَعْنَى كَيْفَ، أَوْ شَرْطًا بِمَعْنَى أَيْنَ.