محذوف، أي غيرها. ومَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا: أَيْ بِهَذَا، قالَ نَبَّأَنِيَ أَيْ نَبَّأَنِي بِهِ أَوْ نَبَّأَنِيهِ، فَإِذَا ضُمِّنَتْ مَعْنَى أَعْلَمَ، تَعَدَّتْ إِلَى ثَلَاثَةِ مَفَاعِيلَ، نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
نُبِّئْتُ زُرْعَةَ وَالسَّفَاهَةُ كَاسْمِهَا | تُهْدِي إِلَيَّ غَرَائِبَ الْأَشْعَارِ |
عَرَّفَ بِشَدِّ الرَّاءِ، وَالْمَعْنَى: أَعْلَمَ بِهِ وَأَنَّبَ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ وَالْحَسَنُ وقتادة وطلحة وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ هَارُونَ عَنْهُ: بِخَفِّ الرَّاءِ، أَيْ جَازَى بِالْعَتَبِ وَاللَّوْمِ، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يُؤْذِيكَ: لَأَعْرِفَنَّ لَكَ ذَلِكَ، أَيْ لَأُجَازِيَنَّكَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ طَلَّقَ حَفْصَةَ وَأُمِرَ بِمُرَاجَعَتِهَا. وَقِيلَ: عَاتَبَهَا وَلَمْ يُطَلِّقْهَا. وَقَرَأَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةُ: عَرَّافٌ بِأَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَهِيَ إِشْبَاعٌ. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: وَيُقَالُ إِنَّهَا لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ، وَمِثَالُهَا قَوْلُهُ:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْعَقْرَابِ | الشَّائِلَاتِ عُقَدَ الْأَذْنَابِ |
وَلَمَّا أفشت حفصة الحديث لعائشة وَاكْتَتَمَتْهَا إِيَّاهُ، وَنَبَّأَهَا الرَّسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ، ظَنَّتْ أَنَّ عَائِشَةَ فَضَحَتْهَا فَقَالَتْ: مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّثَبُّتِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي نَبَّأَهُ بِهِ، فَسَكَنَتْ وَسَلَّمَتْ.
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ: انْتِقَالٌ مِنْ غَيْبَةٍ إِلَى خِطَابٍ، وَيُسَمَّى الالتفات والخطاب لحفصة وعائشة. فَقَدْ صَغَتْ: مَالَتْ عَنِ الصَّوَابِ، وَفِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّهِ: رَاغَتْ، وَأَتَى بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ:
قُلُوبُكُما، وَحَسَّنَ ذَلِكَ إِضَافَتُهُ إِلَى مُثَنَّى، وَهُوَ ضَمِيرَاهُمَا، وَالْجَمْعُ فِي مِثْلِ هَذَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنَ الْمُثَنَّى، وَالتَّثْنِيَةُ دُونَ الْجَمْعِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فَتَخَالَسَا نَفْسَيْهِمَا بِنَوَافِذَ | كَنَوَافِذِ الْعُبُطِ الَّتِي لَا تُرْفَعُ |