النَّارِ
«١»، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلدُّخُولِ فِي الشَّيْءِ أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ، وَمُطَاوِعُ كَبَّ انْكَبَّ، تَقُولُ: كَبَبْتُهُ فَانْكَبَّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَا شَيْءَ مِنْ بِنَاءِ افعل مطوعا، وَلَا يُتْقَنُ نَحْوَ هَذَا إِلَّا حَمَلَةُ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ كَثِيرُ التَّبَجُّحِ بِكِتَابِ سِيبَوَيْهِ، وَكَمْ مِنْ نَصٍّ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ عَمِيَ بَصَرُهُ وَبَصِيرَتُهُ! حَتَّى أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا الْحَجَّاجِ يُوسُفُ بْنُ مَعْزُوزٍ صَنَّفَ كِتَابًا يَذْكُرُ فِيهِ مَا غَلِطَ فِيهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمَا جَهِلَهُ مِنْ نُصُوصِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ. وَأَهْدَى: أَفْعَلُ تَفْضِيلٌ مِنَ الْهُدَى فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ نَظِيرُ: الْعَسَلُ أَحْلَى أَمِ الْخَلُّ؟ وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ لَا تُرَادُ حَقِيقَتُهُ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ سَامِعٍ يُجِيبُ بِأَنَّ الْمَاشِيَ سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَهْدَى. وَانْتَصَبَ قَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وما زائدة، وتشكرون مُسْتَأْنِفٌ أَوْ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، أَيْ تَشْكُرُونَ شُكْرًا قَلِيلًا. وقال ابن عطية: ظاهر أَنَّهُمْ يَشْكُرُونَ قَلِيلًا، وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ لِلْكَافِرِينَ شُكْرٌ، وَهُوَ قَلِيلٌ غَيْرُ نَافِعٍ. وَأَمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ الشُّكْرِ جُمْلَةً فَعَبَّرَ بِالْقِلَّةِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ:
هَذِهِ أَرْضٌ قَلَّ مَا تُنْبِتُ كَذَا، وَهِيَ لَا تُنْبِتُهُ الْبَتَّةَ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ قَوْلِهِ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. ذَرَأَكُمْ: بَثَّكُمْ، وَالْحَشْرُ: الْبَعْثُ، وَالْوَعْدُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ وَعْدُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَيْ مَتَى إِنْجَازُ هَذَا الْوَعْدِ؟.
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً: أَيْ رَأَوُا الْعَذَابَ وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ، زُلْفَةً: أَيْ قُرْبًا، أَيْ ذَا قُرْبٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ: عَيَانًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَاضِرًا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ مَكَانًا ذَا زُلْفَةٍ، فَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِ. سِيئَتْ: أَيْ سَاءَتْ رُؤْيَتُهُ وُجُوهَهُمْ، وَظَهَرَ فِيهَا السُّوءُ وَالْكَآبَةُ، وَغَشِيَهَا السَّوَادُ كَمَنْ يُسَاقُ إِلَى الْقَتْلِ. وَأَخْلَصَ الْجُمْهُورُ كَسْرَةَ السِّينِ، وَأَشَمَّهَا الضَّمَّ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَشَيْبَةُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَطَلْحَةُ وَابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ. وَقِيلَ لَهُمْ، أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الزَّبَانِيَةُ وَمَنْ يُوَبِّخُهُمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: تَدَّعُونَ بِشَدِّ الدَّالِ مَفْتُوحَةً، فَقِيلَ: مِنَ الدَّعْوَى. قَالَ الْحَسَنُ: تَدَّعُونَ أَنَّهُ لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ. وَقِيلَ: تَطْلُبُونَ وَتَسْتَعْجِلُونَ، وَهُوَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيُقَوِّي هَذَا الْقَوْلَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ رَجَاءٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَابْنِ يَسَارٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَسَلَّامٍ وَيَعْقُوبَ: تَدْعُونَ بِسُكُونِ الدَّالِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبِي زَيْدٍ وَعِصْمَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ والأصمعي عَنْ نَافِعٍ. رُوِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَدْعُونَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِالْهَلَاكِ. وَقِيلَ: كَانُوا يَتَآمَرُونَ بَيْنَهُمْ بِأَنْ يُهْلِكُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، فَأُمِرَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ كَمَا تُرِيدُونَ، أَوْ رَحِمَنا بِالنَّصْرِ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ يَحْمِيكُمْ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي سَبَّبَهُ كُفْرُكُمْ؟ وَلَمَّا قَالَ: أَوْ رَحِمَنا قَالَ: هُوَ الرَّحْمنُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا بِهِ

(١) سورة النمل: ٢٧/ ٩٠.


الصفحة التالية
Icon