يَسْتَمِعِ الْآنَ
، الْآنَ ظَرْفُ زَمَانٍ لِلْحَالِ، وَيَسْتَمِعُ مُسْتَقْبَلٌ، فَاتَّسَعَ فِي الظَّرْفِ وَاسْتُعْمِلَ لِلِاسْتِقْبَالِ، كَمَا قَالَ:
سَأَسْعَى الْآنَ إِذْ بَلَغَتِ أَنَاهَا فَالْمَعْنَى: فَمَنْ يَقَعُ مِنْهُ اسْتِمَاعٌ فِي الزَّمَانِ الْآتِي، يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً: أَيْ يَرْصُدُهُ فَيَحْرِقُهُ، هَذَا لِمَنِ اسْتَمَعَ. وَأَمَّا السَّمْعُ فَقَدِ انْقَطَعَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ «١»، وَالرَّجْمُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أَشْعَارِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
الْحَدِيثُ حِينَ رَأَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَجْمًا قَدْ رُمِيَ بِهِ، قَالَ: «مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ» ؟ قَالُوا: كُنَّا نَقُولُ: يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ.
قَالَ أَوْسُ بْنُ حُجْرٍ:

وَانْقَضَّ كَالدُّرِّيِّ يتبعه نقع يثور بحالة طُنُبَا
وَقَالَ عَوْفُ بْنُ الْجَزْعِ:
فَرَدَّ عَلَيْنَا الْعِيرَ مِنْ دُونِ إِلْفِهِ أَوِ الثَّوْرِ كَالدُّرِّيِّ يَتْبَعُهُ الدَّمُ
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ:
وَالْعِيرُ يُرْهِقُهَا الْغُبَارُ وَجَحْشُهَا يَنْقَضُّ خَلْفَهُمَا انْقِضَاضَ الْكَوْكَبِ
قَالَ التِّبْرِيزِيُّ: وَهَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ كُلُّهُمْ جَاهِلِيُّونَ لَيْسَ فِيهِمْ مُخَضْرَمٌ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِالنُّجُومِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ؟ فَقَالَ: غُلِّظَتْ وَشُدِّدَ أَمْرُهَا حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْجَاحِظُ:
الْقَوْلُ بِالرَّمْي أَصَحُّ لِقَوْلِهِ: فَوَجَدْناها مُلِئَتْ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْجِنِّ أَنَّهُ زِيدَ فِي حَرَسِ السَّمَاءِ حَتَّى امْتَلَأَتْ، وَلِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَابِعًا لِلْجَاحِظِ، وَفِي قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَرَسَ هُوَ الْمَلْءُ وَالْكَثْرَةُ، فَلِذَلِكَ نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ:
أَيْ كُنَّا نَجِدُ فِيهَا بَعْضَ الْمَقَاعِدِ خَالِيَةً مِنَ الْحَرَسِ وَالشُّهُبِ، وَالْآنَ مُلِئَتِ الْمَقَاعِدُ كُلُّهَا.
انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرَّجْمَ حَدَثَ بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ إِحْدَى آيَاتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَصَدًا عَلَى مَعْنَى: ذَوِي شِهَابٍ رَاصِدِينَ بِالرَّجْمِ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَرْجُمُونَهُمْ بِالشُّهُبِ وَيَمْنَعُونَهُمْ مِنَ الِاسْتِمَاعِ.
وَلَمَّا رَأَوْا مَا حَدَثَ مِنْ كَثْرَةِ الرَّجْمِ ومنع الاستراق قالوا: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ كُفْرُهُمْ بِهَذَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْزِلُ بِهِمُ الشَّرُّ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً،
(١) سورة الشعراء: ٢٦/ ٢١٢.


الصفحة التالية
Icon