الْحَقِّ، وَصَفَهُ بِالْهَيْئَاتِ الَّتِي تُشْكِلُ بِهَا حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: مَا قَالَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَأَنَّ مَا يَقُولُهُ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ، إِذْ لَوْ كَانَ مُمْكِنًا، لَكَانَ لَهُ هَيْئَاتٌ غَيْرُ هَذِهِ مِنْ فَرَحِ الْقَلْبِ وَظُهُورِ السُّرُورِ وَالْجَذَلِ وَالْبِشْرِ فِي وَجْهِهِ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا الْفِكْرِ لِأَنَّ الْحَقَّ أَبْلَجُ يَتَّضِحُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إِكْدَادِ فِكْرٍ وَلَا إِبْطَاءِ تَأَمُّلٍ. أَلَا تَرَى إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَقَوْلِهِ حِينَ رَأَى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلِمْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَأَسْلَمَ مِنْ فَوْرِهِ. وَقِيلَ: ثُمَّ نَظَرَ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ لِلْقُرْآنِ، فَرَأَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِعْجَازِ وَالْإِعْلَامِ بِمَرْتَبَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَامَ نَظَرُهُ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، دَلَالَةً عَلَى تَأَنِّيهِ وَتَمَهُّلِهِ فِي تَأَمُّلِهِ، إِذْ بَيْنَ ذَلِكَ تَرَاخٍ وَتَبَاعُدٌ.
وَكَانَ الْعَطْفُ فِي وَبَسَرَ وَفِي وَاسْتَكْبَرَ، لِأَنَّ الْبُسُورَ قَرِيبٌ مِنَ الْعُبُوسِ، فَهُوَ كَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وَالِاسْتِكْبَارِ يَظْهَرُ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِدْبَارِ، إِذِ الِاسْتِكْبَارُ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ، وَالْإِدْبَارُ حَقِيقَةٌ مِنْ فِعْلِ الْجِسْمِ، فَهُمَا سَبَبٌ وَمُسَبِّبٌ، فَلَا يُعْطَفُ بِثُمَّ وَقَدَّمَ الْمُسَبِّبَ عَلَى السَّبَبِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ لِلَعَيْنِ، وَنَاسَبَ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَكَانَ الْعَطْفُ فِي فَقَالَ بِالْفَاءِ دَلَالَةً عَلَى التَّعْقِيبِ، لِأَنَّهُ لَمَّا خَطَرَ بِبَالِهِ هَذَا الْقَوْلُ بَعْدَ تَطَلُّبِهِ، لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ نَطَقَ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَهُّلٍ.
وَمَعْنَى يُؤْثَرُ: يُرْوَى وَيُنْقَلُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقُلْتُ مِنَ الْقَوْلِ مَا لَا يَزَا | لُ يُؤْثَرُ عَنِّي بِهِ الْمُسْنَدُ |
أَيْ لَا تُبْقِي عَلَى مَنْ أُلْقِيَ فِيهَا، وَلَا تَذْرُ غَايَةً مِنَ الْعَذَابِ إِلَّا أَوْصَلَتْهُ إِلَيْهِ.
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو رَزِينٍ وَالْجُمْهُورُ: معناه مغيرة