تَقْدِيمَ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، قَالَ هُنَا: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى أَشْيَاءَ لَا يُحِيطُ بِهَا الْحَصْرُ فِي مَحْشَرٍ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْخَلَائِقَ، فَاخْتِصَاصُهُ بِنَظَرِهِمْ إِلَيْهِ لَوْ كَانَ مَنًظُورًا إِلَيْهِ مُحَالٌ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَى لَا يَصِحُّ مَعَهُ الِاخْتِصَاصُ، وَالَّذِي يَصِحُّ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ: أَنَا إِلَى فُلَانٍ نَاظِرٌ مَا يَصْنَعُ بِي، يُرِيدُ مَعْنَى التَّوَقُّعِ وَالرَّجَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:

وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْكَ مِنْ مَلِكٍ وَالْبَحْرُ دُونَكَ زِدْتَنِي نَعْمَاءَ
وَسَمِعْتُ سَرَوِيَّةً مُسْتَجْدِيَةً بمكة وَقْتَ الظُّهْرِ حِينَ يُغْلِقُ النَّاسُ أَبْوَابَهُمْ وَيَأْوُونَ إِلَى مَقَائِلِهِمْ تَقُولُ: عُيُيْنَتِي نَاظِرَةٌ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّعُونَ النِّعْمَةَ وَالْكَرَامَةَ إِلَّا مِنْ رَبِّهِمْ، كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا لَا يَخْشَوْنَ وَلَا يَرْجُونَ إِلَّا إِيَّاهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ذَهَبُوا، يَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ، إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، أَوْ إِلَى ثَوَابِهِ أَوْ مُلْكِهِ، فَقَدَّرُوا مُضَافًا مَحْذُوفًا، وَهَذَا وَجْهٌ سَائِغٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ نَاظِرٌ إِلَيْكَ فِي كَذَا: أَيْ إِلَى صُنْعِكَ فِي كَذَا. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِلَى فِي قَوْلِهِ: إِلى رَبِّها حَرْفُ جَرٍّ يَتَعَلَّقُ بناظرة. وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ: إِلَى هُنَا وَاحِدُ الْآلَاءِ، وَهِيَ النِّعَمُ، وَهِيَ مَفْعُولٌ بِهِ معمول لناظرة بِمَعْنَى مُنْتَظَرَةٍ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وُجُوهٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرَهُ باسِرَةٌ وَتَظُنُّ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَأَنْ تَكُونَ بَاسِرَةٌ صِفَةً وَتَظُنُّ الْخَبَرُ. وَالْفَاقِرَةُ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ، وتظن بِمَعْنَى تُوقِنُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى اعْتِقَادِهَا وَتَتَوَقَّعُ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ: فِعْلٌ هُوَ فِي شِدَّةِ دَاهِيَةٍ تَقْصِمُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَاقِرَةٌ مِنْ فَقَرْتُ الْبَعِيرَ إِذَا وَسَمْتُ أَنْفَهُ بِالنَّارِ. كَلَّا: رَدْعٌ عَنْ إِيثَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَتَذْكِيرٌ لَهُمْ بِمَا يَؤُولُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي تَنْقَطِعُ الْعَاجِلَةُ عِنْدَهُ وَيَنْتَقِلُ مِنْهَا إِلَى الْآجِلَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي بَلَغَتِ عَائِدٌ إِلَى النَّفْسِ الدَّالِّ عَلَيْهَا سِيَاقُ الْكَلَامِ، كَقَوْلِ حَاتِمٍ:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الْفَتَى إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
وَتَقُولُ الْعَرَبُ: أَرْسَلَتْ، يُرِيدُونَ جَاءَ الْمَطَرُ، وَلَا نَكَادُ نَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ السَّمَاءَ.
وَذَكَّرَهُمْ تَعَالَى بِصُعُوبَةِ الْمَوْتِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَرَاحِلِ الْآخِرَةِ حِينَ تَبْلُغُ الرُّوحُ التَّرَاقِي وَدَنَا زَهُوقُهَا. وَقِيلَ: مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يكون القائل حاضرو المريض طَلَبُوا لَهُ مَنْ يَرْقِي وَيَطِبُّ وَيَشْفِي، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَمَنَّاهُ لَهُ أَهْلُهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو قِلَابَةَ وَقَتَادَةُ، وَهُوَ اسْتِفْهَامُ حَقِيقَةٍ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامُ إِبْعَادٍ وَإِنْكَارٍ، أَيْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغًا لَا أَحَدَ يَرْقِيهِ، كَمَا عِنْدَ النَّاسِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ أَنً يَرْقِيَ هَذَا الْمُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ قَالَهُ عِكْرِمَةُ


الصفحة التالية
Icon