وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنَ الْأَقْوَالِ أَنْ تَكُونَ وَالْمُرْسَلاتِ إِلَى آخِرِ الْأَوْصَافِ: إِمَّا لِلْمَلَائِكَةِ، وَإِمَّا لِلرِّيَاحِ. فَلِلْمَلَائِكَةِ تَكُونُ عُذْرًا لِلْمُحَقِّقِينَ، أَوْ نُذْرًا لِلْمُبْطِلِينَ وَلِلرِّيَاحِ يَكُونُ الْمَعْنَى: فَأَلْقَيْنَ ذِكْرًا، إِمَّا عُذْرًا لِلَّذِينِ يَعْتَذِرُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَوْبَتِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ إِذَا رَأَوْا نِعْمَةَ اللَّهِ فِي الْغَيْثِ وَيَشْكُرُونَهَا، وَإِمَّا إِنْذَارًا لِلَّذِينِ يَغْفُلُونَ عَنِ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَيَنْسُبُونَ ذَلِكَ إِلَى الْأَنْوَاءِ، وَجُعِلْنَ مُلْقِيَاتٍ لِلذِّكْرِ لِكَوْنِهِنَّ سَبَبًا فِي حُصُولِهِ إِذَا شُكِرَتِ النِّعْمَةُ فِيهِنَّ، أَوْ كُفِرَتْ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ شَيْئَانِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ فِي وَالنَّاشِراتِ، وَالْعَطْفُ بِالْوَاوِ يُشْعِرُ بِالتَّغَايُرِ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعُهُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ. وَأَمَّا الْعَطْفُ بِالْفَاءِ إِذَا كَانَ فِي الصِّفَاتِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَادِيَاتِ، وَهِيَ الْخَيْلُ وَكَقَوْلِهِ:
يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ فَالصَّا | بِحِ فَالْغَانِمِ فَالْآيِبِ |
فَالْمُلْقِياتِ اسْمُ فَاعِلٍ خَفِيفٌ، أَيْ نَطْرُقُهُ إِلَيْهِمْ وَابْنُ عَبَّاسٍ: مُشَدَّدٌ مِنَ التَّلْقِيَةِ، وَهِيَ أَيْضًا إِيصَالُ الْكَلَامِ إِلَى الْمُخَاطَبِ. يُقَالُ: لَقَّيْتُهُ الذِّكْرَ فَتَلَقَّاهُ. وَقَرَأَ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ، فِيمَا ذَكَرَهُ الَمَهْدَوِيُّ: بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ مُشَدَّدَةً اسْمُ مَفْعُولٍ، أَيْ تَلَقَّتْهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَرَأَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَالنَّحْوِيَّانِ وَحَفْصٌ: عُذْراً أَوْ نُذْراً بِسُكُونِ الذَّالَيْنِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ خَارِجَةَ وَطَلْحَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو حَيْوَةَ وَعِيسَى وَالْحَسَنُ: بِخِلَافٍ وَالْأَعْشَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ: بِضَمِّهِمَا وَأَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا وَشَيْبَةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَرَمِيَّانِ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ:
بِسُكُونِهَا فِي عُذْرًا وَضَمِّهَا فِي نُذْرًا، فَالسُّكُونُ عَلَى أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ مُفْرَدَانِ، أَوْ مَصْدَرَانِ جَمْعَانِ. فعذرا جَمْعُ عَذِيرٍ بِمَعْنَى الْمَعْذِرَةِ، ونذرا جَمْعُ نَذِيرٍ بِمَعْنَى الْإِنْذَارِ. وَانْتِصَابُهُمَا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ذِكْراً، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَالْمُلْقِيَاتِ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ عَاذِرِينَ أَوْ مُنْذِرِينَ. وَيَجُوزُ مَعَ الْإِسْكَانِ أَنْ يَكُونَا جَمْعَيْنِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَقِيلَ: يَصِحُّ انْتِصَابُ عُذْراً أَوْ نُذْراً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ ذِكْراً، أَيْ فَالْمُلْقِيَاتِ، أَيْ فَذَكَرُوا عُذْرًا، وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هُنَا