بِلَالٌ خَيْرُ النَّاسِ وَابْنُ الْأَخْيَرِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا تَكَادُ الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِالْأَخْيَرِ وَالْأَشَرِّ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ رُؤْبَةَ بِلَالٌ الْبَيْتَ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَالْجُمْهُورُ: سَيَعْلَمُونَ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ
، وَهُوَ مِنْ إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِصَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَطَلْحَةُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ: بِتَاءِ الْخِطَابِ: أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا صَالِحُ وَعْدًا يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْمُسْتَقْبَلُ، لَا الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ خِطَابِهِمْ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْعَذَابِ الْحَالِّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَلَا عَلِّلَانِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ | وَقَبْلَ اضْطِرَابِ النَّفْسِ بَيْنَ الْجَوَانِحِ |
وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي فِي غَدٍ | إِذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْتُ بِرَائِحِ |
أَرَادَ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَلَمْ يُرِدْ غَدًا بِعَيْنِهِ. وَفِي قَوْلِهِ: سَيَعْلَمُونَ غَداً تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ بِبَيَانِ انْكِشَافِ الْأَمْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ هُمُ الْكَذَّابُونَ الْأَشِرُونَ. وَأَوْرَدَ ذَلِكَ مَوْرِدَ الْإِبْهَامِ وَالِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانُوا هُمُ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى، حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ
«١»، وَالْمَعْنِيُّ بِهِ قَوْمُهُ، وَكَذَا قَوْلُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ
«٢» وَقَوْلُ الشَّاعِرُ:
فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنَّ | أَنِّي وَأَيُّكَ فَارِسُ الْأَحْزَابِ |
وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّهُ فَارِسُ الْأَحْزَابِ، لَا الَّذِي خَاطَبَهُ. إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ: أَيِ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا، وَآنَسَ بِذَلِكَ صَالِحًا. وَلَمَّا هَدَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ: سَيَعْلَمُونَ غَداً، وَكَانُوا قَدِ ادَّعَوْا أَنَّهُ كَاذِبٌ، قَالُوا: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِكَ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ: أَيْ مُخْرِجُوهَا مِنَ الْهَضْبَةِ الَّتِي سَأَلُوهَا. فَارْتَقِبْهُمْ: أَيْ فَانْتَظِرْهُمْ وَتَبَصَّرْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ، وَاصْطَبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ وَلَا تَعْجَلْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ. وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ: أَيْ مَاءَ الْبِئْرِ الَّذِي لَهُمْ، قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ: أَيْ بَيْنَ ثَمُودَ وَبَيْنَ النَّاقَةِ غَلَّبَ ثَمُودَ، فَالضَّمِيرُ فِي بَيْنَهُمْ لَهُمْ وَلِلنَّاقَةِ. أَيْ لَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ، وَلِلنَّاقَةِ شِرْبُ يَوْمٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قِسْمَةٌ بِكَسْرِ القاف ومعاذ ابن أَبِي عَمْرٍو: بِفَتْحِهَا. كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ أَيْ مَحْضُورٌ لَهُمْ وَلِلنَّاقَةِ. وَتَقَدَّمَتْ قِصَّةُ النَّاقَةِ مُسْتَوْفَاةً، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا، وَهُنَا مَحْذُوفٌ، أَيْ فَكَانُوا عَلَى هَذِهِ الْوَتِيرَةِ مِنْ قِسْمَةِ الْمَاءِ، فَمَلُّوا ذَلِكَ وَعَزَمُوا عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ. فَنادَوْا صاحِبَهُمْ، وَهُوَ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، فَتَعاطى: هُوَ مُطَاوِعُ عَاطَى، وَكَأَنَّ هَذِهِ الْفِعْلَةَ تَدَافَعَهَا النَّاسُ وعاطاها بعضهم بعضا،