وَالضَّحَّاكُ: مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمُقَاتِلٌ: مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْفَجْرُ: النَّهَارُ كُلُّهُ وَعَنْهُ أَيْضًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْفَجْرُ هُوَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَقُرْآنُهَا هُوَ قُرْآنُ الْفَجْرِ. وَقِيلَ: فَجْرُ الْعُيُونِ مِنَ الصُّخُورِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ابن الزبير والكلبي وقتادة ومجاهد وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْأَوَّلُ مِنْهُ وَيَمَانٌ وَجَمَاعَةٌ: الْأَوَّلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَمِنْهُ يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَمَسْرُوقٌ وَمُجَاهِدٌ: وَعَشْرُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّتِي أَتَمَّهَا اللَّهُ تَعَالَى. قِيلَ: وَالْأَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
قَالَ التَّبْرِيزِيُّ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ، يَعْنِي مِنْ رَمَضَانَ، لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ، فَتَعْظِيمُهُ مُنَاسِبٌ لِتَعْظِيمِ الْقَسَمِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَرَادَ بِاللَّيَالِي الْعَشْرِ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ. فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا بَالُهَا مُنَكَّرَةً مِنْ بَيْنِ مَا أَقْسَمَ بِهِ؟ قُلْتُ: لِأَنَّهَا لَيَالٍ مَخْصُوصَةٌ مِنْ بَيْنِ جِنْسِ اللَّيَالِي الْعَشْرُ، بَعْضٌ مِنْهَا أَوْ مَخْصُوصَةٌ بِفَضِيلَةٍ لَيْسَتْ لغيرها. فإن قلت: فهل لا عُرِّفَتْ بِلَامِ الْعَهْدِ لِأَنَّهَا لَيَالٍ مَعْلُومَةٌ مَعْهُودَةٌ؟ قُلْتُ: لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَقِلَّ بِمَعْنَى الْفَضِيلَةِ الَّذِي فِي التَّنْكِيرِ، وَلِأَنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ تَكُونَ اللَّامَاتُ مُتَجَانِسَةً لِيَكُونَ الْكَلَامُ أَبْعَدَ مِنَ الْإِلْغَازِ وَالتَّعْمِيَةِ، انْتَهَى. أَمَّا السُّؤَالَانِ فَظَاهِرَانِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْهُمَا فَلَفْظٌ مُلَفَّقٌ لَا يُعْقَلُ مِنْهُ مَعْنًى فَيُقْبَلُ أَوْ يُرَدُّ.
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ: ذَكَرَ فِي كِتَابِ التَّحْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ فِيهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ قَوْلًا ضَجِرْنَا مِنْ قِرَاءَتِهَا فَضْلًا عَنْ كِتَابَتِهَا فِي كِتَابِنَا هَذَا،
وَعَنْ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ الصَّلَوَاتُ، مِنْهَا الشَّفْعُ وَمِنْهَا الْوَتْرُ».
وَرَوَى أَبُو أَيُّوبَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّفْعُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ الْأَضْحَى، وَالْوَتْرُ: لَيْلَةُ النَّحْرِ».
وَرَوَى جَابِرٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّفْعُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَالْوَتْرُ يَوْمُ عَرَفَةَ».
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْفَجْرَ بِالصُّبْحِ وَاللَّيَالِيَ الْعَشْرَ بِعَشْرِ النَّحْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: هُوَ الَّذِي صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ
حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «صَوْمُ عَرَفَةَ وَتْرٌ لِأَنَّهُ تَاسِعُهَا، وَيَوْمُ النَّحْرِ شَفْعٌ لِأَنَّهُ عَاشِرُهَا».
وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتَرِ أربعة عشر قولا، والزمخشري ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَكْثَرُوا فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَوْعِبُونَ أَجْنَاسَ مَا يَقَعَانِ فِيهِ، وَذَلِكَ قَلِيلُ الطَّائِلِ جَدِيرٌ بِالتَّلَهِّي عَنْهُ، انْتَهَى.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ: قَسَمٌ بِجِنْسِ اللَّيْلِ، وَيَسْرِي: يَذْهَبُ وَيَنْقَرِضُ، كَقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ