ابْنَ عَبَّاسٍ حِينَ تَمَارَيَا، فَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
فَلَا وَالْعَادِيَاتِ غَدَاةَ جَمْعٍ | بِأَيْدِيهَا إِذَا سَطَعَ الْغُبَارُ |
تقدّ السلو في الْمُضَاعَفَ نَسْجُهُ | وَتُوقِدُ بِالصُّفَّاحِ نَارَ الْحُبَاحِبِ |
وَقَالَ تَعَالَى: كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ «١». وَيُقَالُ: حَمِيَ الْوَطِيسُ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: الْمُورِيَاتُ: الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَمْكُرُ فِي الْحَرْبِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُهُ إِذَا أَرَادَتِ الْمَكْرَ بِالرَّجُلِ: وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ، وَلَأُورِيَنَّ لَكَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الَّتِي تُورِي نَارَهَا بِاللَّيْلِ لِحَاجَتِهَا وَطَعَامِهَا. وَعَنْهُ أَيْضًا: جَمَاعَةُ الْغُزَاةِ تُكْثِرُ النَّارَ إِرْهَابًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَلْسِنَةُ الرِّجَالِ تُورِي النَّارَ مِنْ عَظِيمِ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ، وَتُظْهِرُ مِنَ الْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ، وَإِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ. فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً: أَيْ تُغِيرُ عَلَى الْعَدُوِّ فِي الصُّبْحِ، وَمَنْ قَالَ هِيَ الْإِبِلُ، قَالَ الْعَرَبُ تَقُولُ: أغار إذا عدى جَرْيًا، أَيْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى، أَوْ فِي بَدْرٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ لِذَاتٍ وَاحِدَةٍ، لِعَطْفِهَا بِالْفَاءِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّعْقِيبَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْخَيْلُ الَّتِي يُجَاهَدُ عَلَيْهَا الْعَدُوُّ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّهَا الْإِبِلُ بِوَقْعَةِ بَدْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا فَرَسَانِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ وَقْعَةُ بَدْرٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكَادُ يُوجَدُ أَنَّ الْإِبِلَ جُوهِدَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَلْ الْمَعْلُومُ أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا عَلَى الْخَيْلِ فِي شَرْقِ الْبِلَادِ وَغَرْبِهَا.
(١) سورة المائدة: ٥١/ ٦٤.