غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عُرْضَةً لِلْجُوعِ وَالْخَوْفِ لَوْلَا لُطْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ، وَذَلِكَ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ تَعَالَى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ «١». وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ: فَضَّلَهُمْ عَلَى الْعَرَبِ بِكَوْنِهِمْ يَأْمَنُونَ حَيْثُ مَا حَلُّوا، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ قُطَّانُ بَيْتِ اللَّهِ، فَلَا يَتَعَرَّضُ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ، وَغَيْرُهُمْ خَائِفُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ: مَعْنَاهُ مِنَ الْجُذَامِ، فَلَا تَرَى بِمَكَّةَ مَجْذُومًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالتَّنْكِيرُ فِي جُوعٍ وَخَوْفٍ لِشِدَّتِهِمَا، يَعْنِي أَطْعَمَهُمْ بِالرِّحْلَتَيْنِ مِنْ جُوعٍ شَدِيدٍ كَانُوا فِيهِ قَبْلَهُمَا، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ خَوْفُ أَصْحَابِ الْفِيلِ، أَوْ خَوْفُ التَّخَطُّفِ فِي بَلَدِهِمْ وَمَسَايِرِهِمْ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مِنْ خَوْفٍ، بِإِظْهَارِ النُّونِ عِنْدَ الْخَاءِ، وَالْمُسَيَّبِيُّ عَنْ نَافِعٍ: بِإِخْفَائِهَا، وَكَذَلِكَ مَعَ الْعَيْنِ، نَحْوَ مِنْ عَلَى، وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَسْلَتِ يُخَاطِبُ قُرَيْشًا:
فَقُومُوا فَصِلُوا رَبَّكُمْ وَتَمَسَّحُوا | بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ |
فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ وَمُصَدِّقٌ | غَدَاةَ أَبَى مَكْسُومٍ هَادِي الْكَتَائِبِ |
كَثِيبَةٌ بِالسَّهْلِ تَمْشِي وَرِحْلَةٌ | عَلَى الْعَادِقَاتِ في رؤوس الْمَنَاقِبِ |
فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ | جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَاقٍ وَحَاجِبِ |
فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ | إِلَى أَهْلِهِ مِلْجَيْشِ غير عصائب |