بِالنَّمِيمَةِ، وَيُقَالُ لِلْمَشَّاءِ بِهَا: يَحْمِلُ الْحَطَبَ بَيْنَ النَّاسِ، أَيْ يُوقِدُ بَيْنَهُمُ النَّائِرَةَ وَيُورِثُ الشَّرَّ. قَالَ الشَّاعِرُ:

مِنِ الْبِيضِ لَمْ يَصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لِأَمَةٍ وَلَمْ تَمْشِ بَيْنَ الْحَيِّ بِالْحَطَبِ الرَّطْبِ
جَعَلَهُ رَطْبًا لِيَدُلَّ عَلَى التَّدْخِينِ الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الشَّرِّ. وَقَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ بَنِي الْأَرْزَمِ حَمَّالُو الْحَطَبِ هُمُ الْوُشَاةُ فِي الرِّضَا وَفِي الْغَضَبِ
وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: حَمَّالَةُ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: يَحْطِبُ عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ «١». وَقِيلَ: الْحَطَبُ جَمْعُ حَاطِبٍ، كَحَارِسٍ وَحَرَسٍ، أي يحمل الْجُنَاةِ عَلَى الْجِنَايَاتِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَبْلَ مِنْ مَسَدٍ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٌ وَسُفْيَانُ: اسْتِعَارَةٌ، وَالْمُرَادُ سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قِلَادَةٌ مِنْ وَدَعٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قِلَادَةٌ فَاخِرَةٌ مِنْ جَوْهَرٍ، فَقَالَتْ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لِأُنْفِقَنَّهَا عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ قِلَادَتِهَا بِحَبْلٍ مِنْ مَسَدٍ عَلَى جِهَةِ التَّفَاؤُلِ لَهَا، وَذَكَرَ تَبَرُّجَهَا فِي هَذَا السَّعْيِ الْخَبِيثِ، انْتَهَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا كَانَتْ خَرَزًا. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمَعْنَى فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِمَّا مَسَدٍ مِنِ الْحِبَالِ، وَأَنَّهَا تَحْمِلُ الْحُزْمَةَ مِنَ الشَّوْكِ وَتَرْبِطُهَا فِي جِيدِهَا، كَمَا يَفْعَلُ الْحَطَّابُونَ تَحْسِيسًا لِحَالِهَا وَتَحْقِيرًا لَهَا بِصُورَةِ بَعْضِ الْحَطَّابَاتِ مِنَ الْمَوَاهِنِ لِتَمْتَعِضَ مِنْ ذَلِكَ وَيَمْتَعِضَ بَعْلُهَا وَهُمَا فِي بَيْتِ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ وَفِي مَنْصِبِ الثَّرْوَةِ وَالْجَدَّةِ. وَلَقَدْ عَيَّرَ بَعْضُ النَّاسِ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ بِحَمَّالَةِ الْحَطَبِ، فَقَالَ:
مَاذَا أَرَدْتَ إِلَى شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَمْ مَا تُعَيِّرُ مِنْ حَمَّالَةِ الْحَطَبِ
غَرْسَاءُ شَاذِخَةٌ فِي الْمَجْدِ سَامِيَةٌ كَانْتَ سَلِيلَةَ شَيْخٍ ثَاقِبِ الْحَسَبِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنَّ حَالَهَا يَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا حِينَ كَانَتْ تَحْمِلُ حُزْمَةَ الشَّوْكِ، فَلَا يَزَالُ عَلَى ظَهْرِهَا حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبِ النَّارِ مِنْ شَجَرِ الزَّقُّومِ أَوِ الضَّرِيعِ، وَفِي جيدها حبل مما مسد مِنْ سَلَاسِلِ النَّارِ، كَمَا يُعَذَّبُ كُلُّ مُجْرِمٍ بِمَا يُجَانِسُ حَالَهُ فِي جُرْمِهِ، انْتَهَى.
وَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّ جَمِيلٍ هَذِهِ السُّورَةَ أَتَتْ أبابكر، وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المسجد
(١) سورة الأنعام: ٦/ ٣١.


الصفحة التالية
Icon