أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ بِجَمِيعِ مَا فِي طَاقَتِهِمْ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَا بَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَحَفْصٌ لَيْسَ الْبِرَّ بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِرَفْعِ الرَّاءِ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: لَا تَحْسَبَنَّ الْبِرَّ، وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا: لَيْسَ الْبِرَّ بِأَنْ تُوَلُّوا، فَمَنْ قَرَأَ بِنَصْبِ الْبِرَّ جعله خبر ليس، وأن تُوَلُّوا فِي مَوْضِعِ الِاسْمِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَلِيَ الْمَرْفُوعَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى، وَهُوَ أَنْ جُعِلَ فِيهَا اسْمُ لَيْسَ: أَنْ تُوَلُّوا، وَجُعِلَ الْخَبَرُ الْبِرَّ، وَأَنْ وَصِلَتُهَا أَقْوَى فِي التَّعْرِيفِ مِنَ الْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ أَوْلَى مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ: أَنَّ تَوَسُّطَ خَبَرِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اسْمِهَا قَلِيلٌ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ تَشْبِيهًا لَهَا: بِمَا.. أَرَادَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا حَرْفٌ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَوْسِيطُ خَبَرِ مَا، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَبِوُرُودِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
قَالَ الشَّاعِرُ:
سَلِي إِنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنْهُمُ | وَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ |
أَلَيْسَ عَظِيمًا أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ | وَلَيْسَ عَلَيْنَا في الخطوب معوّل |
أَلَيْسَ عَجِيبًا بِأَنَّ الْفَتَى | يُصَابُ بِبَعْضِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ |
وَالْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَانْتِصَابُ قِبَلَ عَلَى الظَّرْفِ وَنَاصِبُهُ تُوَلُّوا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمَّا أَكْثَرُوا الْخَوْضَ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ حَتَّى وَقَعَ التَّحْوِيلُ إِلَى الْكَعْبَةِ.
وَزَعَمَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْبِرَّ هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَى قِبْلَتِهِ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْبِرَّ فِيمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ خَارِجٌ مِنَ الْبِرِّ.