والكاف: خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَ: يَسْأَلُونَكَ، خَبَرٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْآيَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ السُّؤَالِ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمُغَيَّبِ: وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ السُّؤَالِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حِكَايَةً عَنْ حَالٍ مَضَتْ.
وَ: عَنْ، مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: يَسْأَلُونَكَ، يُقَالُ: سَأَلَ بِهِ وَعَنْهُ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَا يُرَادُ بِذَلِكَ السُّؤَالُ عَنْ ذَاتِ الْأَهِلَّةِ، بَلْ عَنْ حِكْمَةِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا، وَفَائِدَةِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ فَلَوْ كَانَتْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مَا حَصَلَ التَّوْقِيتُ بِهَا.
وَالْهِلَالُ هُوَ مُفْرَدٌ وَجَمْعٌ بِاخْتِلَافِ أَزْمَانِهِ، قَالُوا: مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ هِلَالًا فِي شَهْرٍ، غَيْرَ كَوْنِهِ هِلَالًا فِي آخَرَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: عَنِ الْأَهِلَّةِ، بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ لَامِ الْأَهِلَّةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ، وَوَرْشٌ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ نَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَقَرَأَ شَاذًّا بِإِدْغَامِ نُونِ: عَنْ فِي لَامِ الْأَهِلَّةِ بَعْدَ النَّقْلِ وَالْحَذْفِ.
قُلْ هِيَ أَيِ: الْأَهِلَّةُ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ هَذِهِ: الْحِكْمَةُ فِي زِيَادَةِ الْقَمَرِ وَنُقْصَانِهِ إِذْ هِيَ كَوْنُهَا مَوَاقِيتٌ فِي الْآجَالِ، وَالْمُعَامَلَاتِ، وَالْأَيْمَانِ، وَالْعِدَدِ، وَالصَّوْمِ، وَالْفِطْرِ، وَمُدَّةِ الْحَمْلِ وَالرَّضَاعِ، وَالنُّذُورِ الْمُعَلَّقَةِ بِالْأَوْقَاتِ، وَفَضَائِلِ الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالْأَهِلَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ «١» وَفِي قَوْلِهِ: فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ «٢».
وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْوَقْتُ الزَّمَانُ الْمَفْرُوضُ لِلْعَمَلِ، وَمَعْنَى: مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْ أُمُورِ مُعَامَلَاتِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ. انْتَهَى.
وَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: الْوَقْتُ مِقْدَارٌ مِنَ الزَّمَانِ مُحَدَّدٌ فِي ذَاتِهِ، وَالتَّوْقِيتُ تَقْدِيرُ حَدِّهِ، وَكُلَّمَا قَدَّرْتَ لَهُ غَايَةً فَهُوَ مُوَقَّتٌ، وَالْمِيقَاتُ مُنْتَهَى الْوَقْتِ، وَالْآخِرَةُ مُنْتَهَى الْخَلْقِ، وَالْإِهْلَالُ مِيقَاتُ الشَّهْرِ، وَمَوَاضِعُ الْإِحْرَامِ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ، لِأَنَّهَا مَقَادِيرُ يَنْتَهِي إِلَيْهَا، وَالْمِيقَاتُ مِقْدَارٌ جُعِلَ عَلَمًا لِمَا يُقَدَّرُ مِنَ الْعَمَلِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَفِي تَغْيِيرِ الْهِلَالِ بِالنَّقْصِ وَالنَّمَاءِ رَدٌّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الإحرام الفلكية
(٢) سورة الإسراء: ١٧/ ١٢.