خَلَا بِهَا أَمْ قَبَّلَهَا، أَمْ عَانَقَهَا، أَمْ طَالَ الْمُقَامُ مَعَهَا، وَبِهِ قَالَ: الشَّافِعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا
وَرُوِيَ عن علي، وعمر، وابن عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ: أَنَّ لَهَا بِالْخَلْوَةِ جَمِيعَ الْمَهْرِ
. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ خَلَا بِهَا وَقَبَّلَهَا أَوْ كَشَفَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا، فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَإِنْ طَالَ فَلَهَا الْمَهْرُ، إِلَّا أَنْ يَضَعَ مِنْهُ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا خَلَا بِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا، وَإِنْ كَانَتْ رَتْقَاءَ فَلَهَا شَطْرُ الْمَهْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ: الْخَلْوَةُ الصَّحِيحَةُ تَمْنَعُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنَ الْمَهْرِ بعد الطلاق، وطىء أَوْ لَمْ يَطَأْ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا أَوْ مَرِيضًا، أَوْ لَمْ تَكُنْ حَائِضَةً أَوْ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ، أَوْ رَتْقَاءَ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إِذَا لَمْ يَطَأْهَا.
وَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِنْ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا دَخَلَ بِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَلَمْ يُجَامِعْهَا، وَكَانَ أَرْخَى عَلَيْهَا سِتْرًا أَوْ أَغْلَقَ بَابًا فَقَدْ تَمَّ الصَّدَاقُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذَا أَرْخَى عَلَيْهَا سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَنِصْفُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ، وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ بِضَمِّ النُّونِ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ عَلِيٍّ وَالْأَصْمَعِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَفِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لُغَةٌ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قوله: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ قبل المسيس، وقد فرض لَهَا، لَيْسَ لَهَا إِلَّا النِّصْفُ. وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُخْرِجَةٌ لِلْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَقَبْلَ الْمَسِيسِ مِنْ حُكْمِ التَّمْتِيعِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَنَاوَلَهَا قَوْلُهُ: وَمَتِّعُوهُنَّ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آيَةَ الْأَحْزَابِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَتِ الْآيَةَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَزَعَمَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَقَالَ فَرِيقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ: بَيَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ الْمَفْرُوضَ لَهَا تَأْخُذُ نِصْفَ مَا فُرِضَ، وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِإِسْقَاطِ مُتْعَتِهَا بَلْ لَهَا الْمُتْعَةُ وَنِصْفُ الْمَفْرُوضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شيء مِنْ هَذَا.
إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ نَصَّ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، لِأَنَّ عَفْوَهُنَّ عَنِ النِّصْفِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَخْذِهِنَّ، وَالْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يَتْرُكْنَ النِّصْفَ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ عِنْدَ الزَّوْجِ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: وَلَيْسَ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، بَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، لَكِنَّهُ مِنَ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: