وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ، وَأَبُو نَهِيكٍ: وأن يعفوا، بِالْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا، جَعَلَهُ غَائِبًا، وَجُمِعَ عَلَى مَعْنَى: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ لِلْجِنْسِ لَا يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: هَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُؤَيِّدُ أَنَّ الْعَفْوَ مُسْنَدٌ لِلْأَزْوَاجِ، قِيلَ: وَالْعَفْوُ أَقْرَبُ لِاتِّقَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظُلْمَ صَاحِبِهِ. وَقِيلَ:
لِاتِّقَاءِ مَعَاصِي اللَّهِ.
وَ: أَقْرَبُ، يَتَعَدَّى بِاللَّامِ كهذه، ويتعدّى بإلى كَقَوْلِهِ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ «١» وَلَا يُقَالُ: إِنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى إِلَى، وَلَا إِنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيَةِ لِمَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ الْمُتَوَصَّلِ إِلَيْهِ بِحَرْفِ الْجَرِّ، فَمَعْنَى اللَّامِ وَمَعْنَى إِلَى مُتَقَارِبَانِ مِنْ حَيْثُ التَّعْدِيَةُ، وَقَدْ قِيلَ: بِأَنَّ اللَّامَ بِمَعْنَى إِلَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَضْمِينِ الْحُرُوفِ، وَلَا يَقُولُ بِهِ الْبَصْرِيُّونَ.
وَقِيلَ أَيْضًا: إِنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ، فَيَدُلُّ عَلَى عِلَّةِ ازْدِيَادِ قُرْبِ الْعَفْوِ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ فِي الْقُرْبِ مَحْذُوفٌ، وَحَسَّنَ ذَلِكَ كَوْنُ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَقَعَ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْعَفْوُ مِنْكُمْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى مِنْ تَرْكِ الْعَفْوِ.
وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ الْخِطَابُ فِيهِ مِنَ الْخِلَافِ مَا فِي قَوْلِهِ: وَأَنْ تَعْفُوا.
وَالنِّسْيَانُ هُنَا التَّرْكُ مِثْلُ: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ «٢» وَالْفَضْلُ: هُوَ فِعْلُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنَ الْبِرِّ، فَهُوَ مِنَ الزَّوْجِ تَكْمِيلُ الْمَهْرِ، وَمِنَ الزَّوْجَةِ تَرْكُ شَطْرِهِ الَّذِي لَهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَ فَهُوَ تَكْمِيلُ الْمَهْرِ.
وَدَخَلَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَلَى سعد بن أبي وقاص، فَعَرَضَ عَلَيْهِ بِنْتًا لَهُ، فَتَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا خَرَجَ طَلَّقَهَا وَبَعَثَ إِلَيْهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلًا، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَزَوَّجْتَهَا؟ فَقَالَ: عَرَضَهَا عَلَيَّ فَكَرِهْتُ رَدَّهُ، قِيلَ: فَلِمَ بَعَثْتَ بِالصَّدَاقِ كَامِلًا؟ قَالَ: فَأَيْنَ الْفَضْلُ؟.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: وَلَا تَنَاسَوُا الْفَضْلَ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهِيَ قِرَاءَةٌ مُتَمَكِّنَةُ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَنَاسٍ لَا نِسْيَانٍ إِلَّا عَلَى التَّشْبِيهِ. انْتَهَى.
وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يعمر: وَلَا تَنْسَوِا الْفَضْلَ، بِكَسْرِ الْوَاوِ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، تَشْبِيهًا لِلْوَاوِ الَّتِي هِيَ ضَمِيرٌ بِوَاوِ لَوْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوِ اسْتَطَعْنا «٣» كَمَا شَبَّهُوا: وَاوَ:
لَوْ، بِوَاوِ الضَّمِيرِ، فَضَمُّوهَا، قَرَأَ لَوِ اسْتَطَعْنا «٤» بِضَمِّ الْوَاوِ.
(٢) سورة التوبة: ٩/ ٦٧.
(٣- ٤) سورة التوبة: ٩/ ٤٢.