بِهِما
، قَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَنْ يَطَّوَّفَ. وَقَرَأَ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَشَهْرٌ: أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ، وَخَرَجَ ذَلِكَ عَلَى زِيَادَةِ لَا، نَحْوَ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ «١» ؟ وَقَوْلُهُ:
وَمَا أَلُومُ البيض أن لا تسخرا | إِذَا رَأَيْنَ الشَّمَطَ الْقَفَنْدَرَا |
يَا عُرَيَّةُ، كَلَّا، لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا. كَلَامٌ لَا يُخْرِجُ اللَّفْظَ عَمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الْإِثْمِ عَمَّنْ طَافَ بِهِمَا، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الطَّوَافِ، لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ إِبَاحَةُ الْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ مُبَاحًا كُنْتَ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ. وَظَاهِرُ هَذَا الطَّوَافِ أَنْ يَكُونَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَمَنْ سَعَى بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ صُعُودٍ عَلَيْهِمَا، لَمْ يُعَدَّ طَائِفًا. وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى مُطْلَقِ الطَّوَافِ، لَا عَلَى كَيْفِيَّةٍ، وَلَا عَدَدٍ. وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الرَّمَلَ فِي السَّعْيِ سُنَةٌ.
وَرَوَى عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ شَاءَ سَعَى بِمَسِيلِ مَكَّةَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَسْعَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي الرَّمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي. وَكَانَ عُمَرُ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ: إِنْ مَشَيْتُ، فَقَدْ رَأَيْتُ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي، وَإِنْ سَعَيْتُ، فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْعَى. وَسَعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ.
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَزُولَ الْحُكْمُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ، وَيُحْتَمَلَ مَشْرُوعِيَّتُهُ دَائِمًا، وَإِنْ زَالَ السَّبَبُ. وَالرُّكُوبُ فِي السَّعْيِ بَيْنَهُمَا مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حنيفة
(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٢.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٣٠.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٣٠.