الْمَوْصُولِ، فَجَاءَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، وَإِذَا كَانَ الْعَطْفُ بِأَوْ كَانَ الضَّمِيرُ مُفْرَدًا، لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ هُوَ أَحَدُهُمَا، وَتَارَةً يُرَاعَى بِهِ الْأَوَّلُ فِي الذِّكْرِ، نَحْوَ: زَيْدٌ أَوْ هِنْدٌ مُنْطَلِقٌ، وَتَارَةً يُرَاعَى بِهِ الثَّانِي نَحْوَ: زَيْدٌ أَوْ هِنْدٌ مُنْطَلِقَةٌ. وَأَمَّا أَنْ يَأْتِيَ مُطَابِقًا لِمَا قَبْلَهُ فِي التَّثْنِيَةِ أَوِ الْجَمْعِ فَلَا، وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَ النَّحْوِيُّونَ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما «١» بِالتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَعَلَى الْمَهْيَعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها «٢» وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
«٣» كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَلَمَّا عَزَبَتْ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، جَعَلُوا إِفْرَادَ الضَّمِيرِ مِمَّا يَتَأَوَّلُ، فَحُكِيَ عَنِ النَّحَاسِ أَنَّهُ قَالَ: التَّقْدِيرُ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهَا، أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ. ثُمَّ حُذِفَ قَالَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها «٤» وَقَوْلِهِ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ «٥» وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا، وَأَنْتَ بِمَا | عِنْدَكَ رَاضٍ، وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ |
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ، وَوَالِدِي | بَرِيئًا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوِيِّ رَمَانِي |
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا حَسَنٌ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَثُرَ. انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا ذِكْرُ حُكْمِ: أَوْ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْوَاوِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُحْتَاجُ لِتَأْوِيلِ ابْنِ عَطِيَّةَ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى الْحُكْمِ الْمُسْتَقِرِّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فِي: أَوْ.
وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، فَكُلُّ ظَالِمٍ لَا يَجِدُ لَهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَيَمْنَعُهُ مِنَ اللَّهِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ: هُمُ الْمُنْفِقُونَ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَالرِّيَاءِ، وَالْمُبَذِّرُونَ فِي الْمَعْصِيَةِ. وَقِيلَ: المنفقو الحرام.
(٢) سورة الجمعة: ٦٢/ ١١.
(٣) سورة النساء: ٤/ ١١٢.
(٤) سورة التوبة: ٩/ ٣٤.
(٥) سورة البقرة: ٢/ ٤٥.