الصَّلِيبَ، وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ، وَقَوْلُكُمَا لِلَّهِ وَلَدٌ». قَالَا: مَنْ أَبُو عِيسَى؟ وَكَانَ لَا يَعْجَلُ حَتَّى يَأْمُرَهُ رَبُّهُ. فَأَنْزَلَ
إِنَّ مَثَلَ عِيسى وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَفْسِيرِ نَحْوِ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي قَوْلِهِمْ:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا «١».
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ شَأْنَ عِيسَى وَحَالَهُ الْغَرِيبَةَ كَشَأْنِ آدَمَ، فَجَعَلَ الْمَثَلَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالْحَالِ. وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: الْمَثَلُ هُنَا الصِّفَةُ: كَقَوْلِهِ: مَثَلُ الْجَنَّةِ «٢» وَفِي هَذَا إِقْرَارُ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَمَثَلِ آدَمَ عَلَى مَعْنَاهَا التَّشْبِيهِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَثَلَ هُنَا بِمَعْنَى الصِّفَةِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا عِنْدِي خَطَأٌ وَضَعْفٌ فِي فَهْمِ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: أَنَّ الْمَثَلَ الَّذِي تَتَصَوَّرُهُ النُّفُوسُ وَالْعُقُولُ، مِنْ عِيسَى فَهُوَ كَالْمُتَصَوَّرِ مِنْ آدَمَ، إِذِ النَّاسُ كُلُّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ. وَكَذَلِكَ مَثَلُ الْجَنَّةِ «٣» عِبَارَةٌ عَنِ الْمُتَصَوَّرِ مِنْهَا.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ صِحَّةُ الْقِيَاسِ أَيْ إِذَا تُصُوِّرَ أَمْرُ آدَمَ قِيسَ عَلَيْهِ جَوَازُ أَمْرِ عِيسَى.
وَالْكَافُ فِي كَمَثَلِ آدَمَ اسْمٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعْنَى. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَلَا يَظْهَرُ لِي فَرْقٌ بَيْنَ كَلَامِهِ هَذَا، وَكَلَامِ مَنْ جَعَلَ الْمَثَلَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالْحَالِ. أَوْ بِمَعْنَى الصِّفَةِ، وَفِي (رَيِّ الظَّمْآنِ) قِيلَ: الْمَثَلُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ، وَقَوْلُكَ صِفَةُ عِيسَى كَصِفَةِ آدَمَ كَلَامٌ مُطَّرِدٌ، عَلَى هَذَا جُلَّ اللُّغَوِيِّينَ وَالْمُفَسِّرِينَ، وَخَالَفَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ الْجَمِيعَ، وَقَالَ: الْمَثَلُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي اللُّغَةِ، إِنَّمَا الْمَثَلُ الشَّبَهُ.
عَلَى هَذَا تَدُورُ تَصَارِيفُ الْكَلِمَةِ، وَلَا مَعْنَى لِلْوَصْفِيَّةِ فِي التَّشَابُهِ. وَالْمَثَلُ كَلِمَةٌ يُرْسِلُهَا قَائِلُهَا لِحِكْمَةٍ يُشَبِّهُ بِهَا الْأُمُورَ، وَيُقَابِلُ بِهَا الْأَحْوَالَ. انْتَهَى.
وَمَنْ جَعَلَ الْمَثَلَ هُنَا مُرَادِفًا لِلْمِثْلِ، كَالشَّبَهِ. وَالشِّبْهِ. قَالَ: جَمَعَ بَيْنَ أَدَاتَيْ تَشْبِيهٍ عَلَى طَرِيقِ التَّأْكِيدِ لِلشَّبَهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى عِظَمِ خَطَرِهِ وَقَدْرِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: الْكَافُ زَائِدَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَثَلَ زَائِدَةٌ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْمِثْلَ هُنَا مِنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ. وَقَالَ: الْعَرَبُ تَضْرِبُ الْأَمْثَالَ لِبَيَانِ مَا خَفِيَ مَعْنَاهُ وَدَقَّ إِيضَاحُهُ، لَمَّا خَفِيَ سِرُّ وِلَادَةِ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ، لِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَعْرُوفَ، ضَرَبَ اللَّهُ الْمَثَلَ بِآدَمَ الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي الْأَذْهَانِ. وَعُلِمَ أَنَّهُ أُوجِدَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، كَذَلِكَ خَلْقُ عِيسَى بِلَا أَبٍ، ولا بد
(٣- ٢) سورة الرعد: ١٣/ ٣٥ ومحمد: ٤٧/ ١٥.