بكسرها. وقيل: مِنَ السُّومَةِ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ يكون عَلَى الشَّاةِ وَغَيْرِهَا، يُجْعَلُ عَلَيْهَا لَوْنٌ يُخَالِفُ لَوْنَهَا لِتُعْرَفَ. وَقِيلَ: مِنَ السَّوْمِ وَهُوَ تَرْكُ الْبَهِيمَةِ تَرْعَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ
رُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ بِعَمَائِمَ بِيضٍ، إِلَّا جِبْرِيلَ فَبِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ كَالزُّبَيْرِ قَالَهُ: ابْنُ إِسْحَاقَ، وَالزَّجَّاجُ. وَقِيلَ: بِعَمَائِمَ صُفْرٍ كَالزُّبَيْرِ قَالَهُ: عُرْوَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا الزُّبَيْرِ، وَعَبَّادُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
، وَالْكَلْبِيُّ وَزَادَ: مُرْخَاةٌ عَلَى أَكْتَافِهِمْ. قِيلَ: وَكَانُوا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ، وَكَانَتْ سِيمَاهُمْ قَالَهُ: قَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ. أَوْ خَيْلُهُمْ مَجْزُوزَةَ النَّوَاصِي وَالْأَذْنَابِ، مَعْلَمَتُهَا بِالصُّوفِ وَالْعِهْنِ. قَالَهُ: مُجَاهِدٌ. فبفتح الواو ومعلمين، وَبِكَسْرِهَا مُعَلِّمِينَ أَنْفُسَهُمْ أَوْ خَيْلَهُمْ. وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ قِرَاءَةَ الْكَسْرِ،
بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: «سَوِّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْهُ»
وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: وَهُوَ السَّوْمُ. فَمَعْنَى مُسَوِّمِينَ بكسر الواو: وسوّموا خَيْلَهُمْ أَيْ أَعْطَوْهَا مِنَ الْجَرْيِ وَالْجَوَلَانِ لِلْقِتَالِ، وَمِنْهُ سَائِمَةُ الْمَاشِيَةِ. وَأَمَّا بِفَتْحِ الْوَاوِ فَيَصِحُّ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، قَالَهُ: الَمَهَدَوِيُّ وَابْنُ فُورَكٍ. أَيْ سَوَّمَهُمُ اللَّهِ تَعَالَى، بِمَعْنَى أَنَّهُ جَعَلَهُمْ يَجُولُونَ وَيَجْرُونَ لِلْقِتَالِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: سَوَّمَ الرَّجُلُ خَيْلَهُ أَيْ أَرْسَلَهَا فِي الْغَارَةِ.
وَحَكَى بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: سَوَّمَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ أَرْسَلَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. وَلِهَذَا قال الأخفش: معنى مسوّميم مُرْسَلِينَ. وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْعَلَامَةِ لِلْقَبَائِلِ وَالْكَتَائِبِ لِتَتَمَيَّزَ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَكَتِيبَةٍ عِنْدَ الْحَرْبِ.
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْهَاءَ فِي جَعَلَهُ عَائِدَةٌ عَلَى المصدر والمفهوم مِنْ يُمْدِدْكُمْ وَهُوَ الْإِمْدَادُ. وَجَوَّزَ أَنْ يَعُودَ عَلَى التَّسْوِيمِ، أَوْ عَلَى النَّصْرِ، أَوْ عَلَى التَّنْزِيلِ، أَوْ عَلَى الْعَدَدِ، أَوْ عَلَى الوعد. وإلّا بُشْرَى مُسْتَثْنًى مِنَ الْمَفْعُولِ لَهُ، أَيْ: مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِشَيْءٍ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ. فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَرُغَ لَهُ الْعَامِلُ، وَبُشْرَى مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ. وَشُرُوطُ نَصْبِهِ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ: أَنَّهُ مَصْدَرٌ متحد الفاعل والزمان. ولتطمئن مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْضِعِ بُشْرَى، إِذْ أَصْلُهُ لِبُشْرَى. وَلَمَّا اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ فِي وَلِتَطْمَئِنَّ، أُتِيَ بِاللَّامِ إِذْ فَاتَ شَرْطُ اتِّحَادُ الْفَاعِلِ، لِأَنَّ فَاعِلَ بُشْرَى هُوَ اللَّهُ، وَفَاعِلُ تَطْمَئِنُّ هُوَ قُلُوبُكُمْ. وَتَطْمَئِنُ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ لَامِ كَيْ، فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ عَلَى تَوَهُّمِ. مَوْضِعِ اسْمٍ آخَرَ، وجعل عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْحَوْفِيُّ: إِلَّا بُشْرَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى البدل من الْهَاءِ، وَهِيَ عَائِدَةٌ عَلَى الْوَعْدِ بِالْمَدَدِ. وَقِيلَ: بُشْرَى مفعول ثان لجعله اللَّهُ. فَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ تَتَعَلَّقُ اللَّامُ فِي لِتَطْمَئِنَّ بِمَحْذُوفٍ، إِذْ لَيْسَ قَبْلَهُ عَطْفٌ يُعْطَفُ عَلَيْهَا. قَالُوا: تَقْدِيرُهُ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ


الصفحة التالية
Icon