وَابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا: ثَوَابُ الدُّنْيَا هُوَ الظُّهُورُ عَلَى عَدُوِّهِمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ الظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ثَوَابُ الدُّنْيَا مِنَ النُّصْرَةِ وَالْغَنِيمَةِ وَالْعِزِّ وَطِيبِ الذِّكْرِ. وَقَالَ النَّقَّاشُ: لَيْسَ إِلَّا الظَّفَرُ وَالْغَلَبَةُ، لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَمْ تَحِلَّ إِلَّا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ. وَهَذَا صَحِيحٌ ثَبَتَ
فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي»
وَهِيَ إِحْدَى الْخَمْسِ الَّذِي أُوتِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُؤْتَهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ. وَحُسْنُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ: ابْنُ عَطِيَّةَ. وَقِيلَ: الْأَجْرُ وَالْمَغْفِرَةُ. وَخَصَّ ثَوَابَ الْآخِرَةِ بِالْحُسْنِ دَلَالَةً عَلَى فَضْلِهِ وَتَقَدُّمِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَهُ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ «١» وَتَرْغِيبًا فِي طَلَبِ مَا يُحَصِّلُهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمُنَاسِبَةً لِآخِرِ الْآيَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: مَنْ عَمِلَ لِدُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ.
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
قَدْ فَسَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانَ حِينَ سُئِلَ عَنْ حَقِيقَتِهِ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»
وَفَسَّرَهُ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا بِأَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَهُوَ مَنْ أَحْسَنَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فِي لُزُومِ طَاعَتِهِ، أَوْ مَنْ ثَبَتَ فِي الْقِتَالِ مَعَ نَبِيِّهِ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَغْلِبَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ الْخِطَابُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ أَهْلَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ. وَمَا زَالَ الْكُفَّارُ مُثَابِرِينَ عَلَى رُجُوعِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِهِمْ، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً. وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ، لَنْ تَنْفَعَكُمْ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً «٢». وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ «٣» وَقِيلَ: الْخِطَابُ خَاصٌّ بِمَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ عَلَّقَ عَلَى مُطْلَقِ طَاعَتِهِمُ الرَّدَّ عَلَى الْعَقِبِ وَالِانْقِلَابِ بِالْخُسْرَانِ وَهَذَا غَايَةٌ فِي التَّحَرُّزِ مِنْهُمْ وَالْمُجَانَبَةِ لَهُمْ، فَلَا يُطَاعُونَ فِي شَيْءٍ وَلَا يُشَاوَرُونَ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَجِرُّ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ، وَيَكُونُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَامًّا. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: يَكُونُ الَّذِينَ كَفَرُوا خَاصًّا.
فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا أَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فَارْجِعُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالَهُ: الْحَسَنُ.
وَعَنْهُ: إِنْ تَسْتَنْصِحُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَغْوُونَهُمْ، وَيُوقِعُونَ لَهُمُ الشُّبَهَ، وَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ لَكُمْ نَبِيًّا حَقًّا لَمَا غُلِبَ وَلَمَا أَصَابَهُ وَأَصْحَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ حَالُهُ كَحَالِ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، يَوْمًا لَهُ ويوما عليه.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٠٩.
(٣) سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ٣/ ٦٩. [.....]