إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ «١» وَفِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا، دَلِيلٌ عَلَى إِبْطَالِ التَّقْلِيدِ، إِذْ لَا بُرْهَانَ مَعَ الْمُقَلِّدِ.
وَمَأْواهُمُ النَّارُ أُخْبِرَ تَعَالَى بِأَنَّ مَصِيرَهُمْ وَمَرْجِعَهُمْ إِلَى النَّارِ فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَرْعُوبُونَ وَفِي الْآخِرَةِ مُعَذَّبُونَ، بِسَبَبِ إِشْرَاكِهِمْ. فَهُوَ جَالِبٌ لَهُمُ الشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ بَالَغَ فِي ذَمِّ مَثْوَاهُمْ وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، أَيْ:
وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ النَّارُ. وَجَعَلَ النَّارَ مَأْوَاهُمْ وَمَثْوَاهُمْ. وَبَدَأَ بِالْمَأْوَى وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الثَّوَاءُ، لِأَنَّ الثَّوَاءَ دَالٌّ عَلَى الْإِقَامَةِ، فَجَعَلَهَا مَأْوًى وَمَثْوًى كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ «٢» وَنَبَّهَ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ النَّارَ وَهُوَ الظُّلْمُ، وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ إِذْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ غَيْرَهُ. كَمَا قَالَ: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٣».
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَراكُمْ مَا تُحِبُّونَ هَذَا جَوَابٌ لِمَنْ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا:
وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ وَالْإِمْدَادَ بِالْمَلَائِكَةِ، فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ أُتِينَا فَنَزَلَتْ إِعْلَامًا أَنَّهُ تَعَالَى صَدَقَهُمُ الْوَعْدَ وَنَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَوَّلًا، وَكَانَ الْإِمْدَادُ مَشْرُوطًا بِالصَّبْرِ وَالتَّقْوَى. وَاتَّفَقَ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ مَا نَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَجَاءَتِ الْمُخَاطَبَةُ بِجَمْعِ ضَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصْدُرْ مَا يُعَاتَبُ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِهِمْ، وَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي نِسْبَةِ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِهِمْ لِلْجَمِيعِ عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ، وَفِي ذَلِكَ إِبْقَاءٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ وَسَتَرَ، إِذْ لَمْ يُعَيِّنْ وَزَجْرٌ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ أَنْ يَفْعَلَ.
وَصِدْقُ الْوَعْدُ: هُوَ أَنَّهُمْ هَزَمُوا الْمُشْرِكِينَ أَوَّلًا، وَكَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالزُّبَيْرِ وَأَبِي دُجَانَةَ وَعَاصِمِ بْنِ أَبِي الْأَفْلَحِ بَلَاءٌ عَظِيمٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي السِّيَرِ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ. وَالْمُسْلِمُونَ فِي سَبْعِمِائَةِ رَجُلٍ. وَتَعَدَّتْ صَدَقَ هُنَا إِلَى اثْنَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِحَرْفِ جَرٍّ، تَقُولُ: صَدَقْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ، وَصَدَقْتُ زَيْدًا فِي الْحَدِيثِ، ذَكَرَهَا بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِي بَابِ مَا يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى الثَّانِي بِحَرْفِ الْجَرِّ، فَيَكُونُ من باب استغفر.
واختاروا العامل فِي إِذْ صَدَقَكُمُ.
وَمَعْنَى تَحَسُّونَهُمْ: تَقْتُلُونَهُمْ. وَكَانُوا قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ رجلا. وقرأ

(١) سورة المؤمنون: ٢٣/ ٣٧.
(٢) سورة فصلت: ٤١/ ٢٤.
(٣) سورة لقمان: ٣١/ ١٣


الصفحة التالية
Icon