وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ شَرِيكَانِ، يَحِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلَّ صَاحِبِهِ. فَكَمَا لَا يَجُوزُ مررت بزيدوك، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَرَرْتُ بِكَ وَزَيْدٍ. وَأَمَّا سِيبَوَيْهِ فَهِيَ عِنْدَهُ قَبِيحَةٌ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ كما قال:

فاليوم قدبت تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا فَاذْهَبْ فَمَا بِكَ وَالْأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
وَكَمَا قَالَ:
تُعَلَّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا وَمَا بَيْنَهَا وَالْكَفُّ غَوْطٌ تَعَانَفُ
وَاسْتَسْهَلَهَا بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ. وَتَعْلِيلُ الْمَازِنِيِّ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: رَأَيْتُكَ وَزَيْدًا، ولا يجوز رأيت زيداوك، فَكَانَ الْقِيَاسُ رَأَيْتُكَ وَزَيْدًا، أَنْ لَا يَجُوزَ.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْضًا: الْمُضْمَرُ الْمَخْفُوضُ لَا يَنْفَصِلُ، فَهُوَ كَحَرْفٍ مِنَ الْكَلِمَةِ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَى حَرْفٍ.
وَيَرُدُّ عِنْدِي هَذِهِ الْقِرَاءَةَ مِنَ الْمَعْنَى وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذِكْرَ الْأَرْحَامِ مِمَّا تَسَاءَلَ بِهِ لَا مَعْنَى لَهُ فِي الْحَضِّ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْأَرْحَامَ يُتَسَاءَلُ بِهَا، وَهَذَا تَفْرِيقٌ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ. وَغَضٌّ مِنْ فَصَاحَتِهِ، وَإِنَّمَا الْفَصَاحَةُ فِي أَنْ تَكُونَ فِي ذِكْرِ الْأَرْحَامِ فَائِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ فِي ذِكْرِهَا عَلَى ذَلِكَ تَقْدِيرَ التَّسَاؤُلِ بِهَا وَالْقَسَمِ بِحُرْمَتِهَا، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَرُدُّ ذَلِكَ فِي
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»
انْتَهَى كَلَامُهُ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي وَالْأَرْحَامَ وَاوُ الْقَسَمِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ، وَالْمُتَلَقَّى بِهِ الْقَسَمُ هِيَ الْجُمْلَةُ بَعْدَهُ. وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَهَبُوا إِلَى تَخْرِيجِ ذَلِكَ فِرَارًا مِنَ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِغَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِّ، وَذَهَابًا إِلَى أَنَّ فِي الْقَسَمِ بِهَا تَنْبِيهًا عَلَى صِلَتِهَا وَتَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا، وَأَنَّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَكَانٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قول يَأْبَاهُ نَظْمُ الْكَلَامِ وَسِرُّهُ انْتَهَى. وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَتَبِعَهُمْ فِيهِ الزمخشري وابن عطية: من امْتِنَاعِ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَارِّ، وَمِنِ اعْتِلَالِهِمْ لِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلِ الصَّحِيحُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ. وَقَدْ أَطَلْنَا الِاحْتِجَاجَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ «١». وَذَكَرْنَا ثُبُوتَ ذَلِكَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ نَثْرِهَا وَنَظْمِهَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هنا.
(١) سورة البقرة: ٢/ ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon