شَرْعًا بِالْبُلُوغِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَجَازٍ، إِمَّا فِي الْيَتَامَى لِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْبَالِغِينَ اعْتِبَارًا وَتَسْمِيَةً بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ شَرْعًا قَبْلَ الْبُلُوغِ مِنِ اسْمِ الْيُتْمِ، فَيَكُونُ الْأَوْلِيَاءُ قَدْ أُمِرُوا بِأَنْ لَا تُؤَخَّرَ الْأَمْوَالُ عَنْ حَدِّ الْبُلُوغِ، وَلَا يُمْطَلُوا إِنْ أُونِسَ مِنْهُمُ الرُّشْدُ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ فِي أُوتُوا، وَيَكُونَ مَعْنَى إيتاؤهم الْأَمْوَالَ: الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَأَنْ لَا يَطْمَعَ فِيهَا الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ، وَيَكُفُّوا عَنْهَا أَيْدِيَهُمُ الْخَاطِئَةَ. وَعَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ الْخِطَابُ لِمَنْ لَهُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْيَتِيمِ شَرْعًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْخِطَابُ لِمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ مِنَ الْعَرَبِ أَنْ لَا يَرِثَ الصَّغِيرُ مِنَ الْأَوْلَادِ مَعَ الْكَبِيرِ، فَقِيلَ لَهُمْ: وَرِّثُوهُمْ أَمْوَالَهُمْ، وَلَا تَتْرُكُوا أَيُّهَا الْكِبَارُ حُظُوظَكُمْ حَلَالًا طَيِّبًا حَرَامًا خَبِيثًا، فَيَجِيءُ فِعْلُكُمْ ذَلِكَ تَبَدُّلًا. وَقِيلَ: كَانَ الْوَلِيُّ يَرْبَحُ عَلَى يَتِيمِهِ فَتَسْتَنْفِدُ تِلْكَ الْأَرْبَاحُ مَالَ الْيَتِيمِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. وَاحْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى السَّفِيهِ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. قَالَ: لِأَنَّ وَآتُوا الْيَتَامَى مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ سَفِيهًا وَغَيْرَهُ، أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ لَا، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ السِّنِّ الْمَذْكُورِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنَّ إِينَاسَ الرُّشْدِ قَبْلَ بُلُوغِ هَذَا السِّنِّ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَهَذَا الْإِجْمَاعُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ هَذَا السِّنِّ، فَوَجَبَ إِجْرَاءُ الْأَمْرِ بَعْدَ هَذَا السِّنِّ عَلَى حُكْمِ ظَاهِرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَخُصِّصَتْ بِقَوْلِهِ: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ بَعْضُهُمْ يُبَدِّلُ الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِالْهَزِيلَةِ مِنْ مَالِهِ، وَالدِّرْهَمَ الطَّيِّبَ بِالزَّيْفِ مِنْ مَالِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو صَالِحٍ: الْمَعْنَى وَلَا تَتَعَجَّلُوا أَكْلَ الْخَبِيثِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَتَدَعُوا انْتِظَارَ الرِّزْقِ الْحَلَالِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ خَبِيثًا وَتَدَعُوا أَمْوَالَكُمْ طَيِّبًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تَأْخُذُوا مَالَ الْيَتِيمِ وَهُوَ خَبِيثٌ لِيُؤْخَذَ مِنْكُمُ الْمَالُ الَّذِي لَكُمْ وَهُوَ طَيِّبٌ. وَقِيلَ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا فتكون هي نار تَأْكُلُونَهَا وَتَتْرُكُونَ الْمَوْعُودَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ بِسَبَبِ إِبْقَاءِ الْخَبَائِثِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَقِيلَ: لَا تَسْتَبْدِلُوا الْأَمْرَ الْخَبِيثَ وَهُوَ: اخْتِزَالُ أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِالْأَمْرِ الطَّيِّبِ وَهُوَ: حِفْظُهَا وَالتَّوَرُّعُ مِنْهَا. وَتَفَعَّلَ هُنَا بِمَعْنَى اسْتَفْعَلَ كَتَعَجَّلَ، وَتَأَخَّرَ بِمَعْنَى اسْتَعْجَلَ وَاسْتَأْخَرَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَبِيثَ وَالطَّيِّبَ وَصْفَانِ فِي الْأَجْرَامِ الْمُتَبَدِّلَةِ وَالْمُتَبَدَّلِ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ فَيَكُونَانِ بِمَعْنَى الْكَرِيهِ الْمُتَنَاوَلِ وَاللَّذِيذِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الشَّرْعِ فَيَكُونَانِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ. أَمَّا أَنْ يَكُونَا وَصْفَيْنِ لِاخْتِزَالِ الْأَمْوَالِ وَحِفْظِهَا فَفِيهِ بُعْدٌ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ مَا بِقَوْلِهِ: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ.
وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: وَلَا تَبَدَّلُوا بِإِدْغَامِ التَّاءِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ.


الصفحة التالية
Icon