وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثًا. وَذِكْرُ بَعْضِ مُقْتَضَى الْعُمُومِ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ التَّبْيِينِ، وَلَا يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُ تِسْعٍ، لِأَنَّ الْوَاوَ تَقْتَضِي الْجَمْعَ. فَمَعْنَى: مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا وَذَلِكَ تِسْعٌ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْدَادَ وَكَوْنَهَا عُطِفَتْ بِالْوَاوِ تَدُلُّ عَلَى نكاح جواز ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ مِنْهَا مَعْدُولٌ عَنْ مُكَرَّرٍ مَرَّتَيْنِ، وَإِذَا جُمِعَتْ تِلْكَ الْمُكَرَّرَاتُ كَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ اسْتِدْلَالًا وَإِبْطَالًا مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الْخِلَافِيَّةِ.
وَأَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النِّكَاحُ مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ إِلَّا لِمَنْ خَافَ الْجَوْرَ فِي الْيَتَامَى لِأَجْلِ تَعْلِيقِهِ عَلَيْهِ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَخَفْ فَمَفْهُومُ الشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ مِنِ اخْتِصَاصِ الْإِبَاحَةِ بِمَنْ خَافَ الْجَوْرَ. أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يجف الْجَوْرَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا كَمَنْ خَافَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ جَوَابٌ لِمَنْ خَافَ ذَلِكَ، وَحُكْمُهَا أَعَمُّ.
وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ وَابْنُ وَثَّابٍ: وَرُبَعَ سَاقِطَةَ الألف، كَمَا حُذِفَتْ فِي قَوْلِهِ: وَحَلَيَانًا بَرَدًا يُرِيدُ بَارِدًا. وَإِذَا أَعْرَبْنَا مَا مِنْ مَا طَابَ مَفْعُولَةً وَتَكُونُ مَوْصُولَةً، فَانْتِصَابُ مَثْنَى وَمَا بَعْدَهُ عَلَى الْحَالِ مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: حَالٌ مِنَ النِّسَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: مَوْضِعُهَا مِنَ الْإِعْرَابِ نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَا طَابَ، وَهِيَ نَكِرَاتٌ لَا تَتَصَرَّفُ لِأَنَّهَا مَعْدُولَةٌ وَصِفَةٌ انْتَهَى. وَهُمَا إِعْرَابَانِ ضَعِيفَانِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ هُوَ ما طاب، ومن النِّسَاءِ جَاءَ عَلَى سَبِيلِ التَّبْيِينِ وَلَيْسَ مُحَدَّثًا عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ الْحَالُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْحَالِ تَقْيِيدُ الْمَنْكُوحَاتِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَالْبَدَلُ هُوَ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ، فيلزم من ذلك أن يُبَاشِرَهَا الْعَامِلُ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَنَّهَا لَا يُبَاشِرُهَا الْعَامِلُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهَا نَكِرَةٌ وَصِفَةٌ، وَمَا كَانَ نَكِرَةً وَصِفَةً فَإِنَّهُ إِذَا جَاءَ تَابِعًا لِنَكِرَةٍ كَانَ صِفَةً لَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ «١» وَمَا وَقَعَ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَقَعَ حالا للمعرفة. وما طَابَ مَعْرِفَةٌ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَثْنَى حَالًا.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي أن لا تَعْدِلُوا بَيْنَ ثِنْتَيْنِ إِنْ نَكَحْتُمُوهُمَا، أَوْ بَيْنَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ إِنْ نَكَحْتُمُوهُنَّ فِي الْقَسْمِ أَوِ النَّفَقَةِ أو الكسوة، فاختاروا