تَعُولُوا بِتُعِيلُوا. وَقَالُوا: يُقَالُ أَعَالَ يُعِيلُ إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ، فَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ لَا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، فَقَدِ اخْتَلَفَا فِي الْمَادَّةِ، فَلَيْسَ مَعْنَى تَعُولُوا تُعِيلُوا. وَقَالَ الرَّازِيُّ أَيْضًا عَنِ الشَّافِعِيِّ: إِنَّهُ خَالَفَ الْمُفَسِّرِينَ. وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ قَدْ قَالَ بِمَقَالَتِهِ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُ زَيْدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ تَعُولُوا بِتُعِيلُوا فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ تَعُولُوا وَتُعِيلُوا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّهُمَا يَجْمَعُهُمَا اشْتِقَاقٌ وَاحِدٌ، بَلْ قَدْ يَكُونُ اللَّفْظَانِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَلَا يَجْمَعُهُمَا اشْتِقَاقٌ وَاحِدٌ، نَحْوُ قَوْلِهِمْ: دُمْتُ وَدَشِيرُ، وَسِبْطٌ وَسِبْطَةٌ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَقَدْ نَقَلَ عَالَ الرَّجُلُ يَعُولُ، أَيْ كَثُرَ عِيَالُهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ.
وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْكِسَائِيُّ قَالَ: وَهِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ: عَالَ يَعُولُ، وَأَعَالَ يُعِيلُ كَثُرَ عِيَالُهُ، وَنَقَلَهَا أَيْضًا أَبُو عَمْرٍو الدُّورِيُّ الْمُقْرِي وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَةِ غَيْرَ مُدَافَعٍ قَالَ: هِيَ لُغَةُ حِمْيَرَ.
وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرٍو حُجَّةً لَهَا:
وَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْخُذُ كُلَّ حَيٍّ | بِلَا شَكٍّ وَإِنْ أَمْشَى وَعَالَا |
قَالَ: وَلَكِنَّ لِلْعُلَمَاءِ طُرُقًا وَأَسَالِيبَ، فَسَلَكَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ طَرِيقَةَ الْكِنَايَاتِ.
وَأَمَّا مَا رَدَّ بِهِ ابْنُ دَاوُدَ وَالرَّازِيُّ وَالزَّجَّاجُ فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هَذَا الْقَدْحُ يُشِيرُ إِلَى قَدْحِ الزَّجَّاجِ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ السَّرَارِيَ إِنَّمَا هِيَ مَالٌ يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْعِيَالُ الْقَادِحُ الْحَرَائِرُ ذَوَاتُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْغَرَضُ بِالتَّزَوُّجِ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُلُ، بِخِلَافِ التَّسَرِّي. وَلِذَلِكَ جَازَ الْعَزْلُ عَنِ السَّرَارِي بِغَيْرِ إِذْنِهِنَّ، فَكَانَ التَّسَرِّي مَظِنَّةً لِقِلَّةِ الْوَلَدِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى التَّزَوُّجِ، وَالْوَاحِدَةُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى تَزَوُّجِ الْأَرْبَعِ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: إِذَا كَثُرَتِ الْجَوَارِي فَلَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُنَّ الْكَسْبَ فَيُنْفِقْنَ عَلَى أَنْفُسِهِنَّ وَعَلَى مَوْلَاهُنَّ أَيْضًا، وَتَقِلُّ الْعِيَالُ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ حُرَّةً فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: أَنْ لَا تَعُولُوا بِمَعْنَى أَنْ لَا تَفْتَقِرُوا، وَلَا يُرِيدُ أَنْ تَعُولُوا مِنْ مَادَّةِ تُعِيلُوا مَنْ عَالَ يَعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ، إِنَّمَا يُرِيدُ أَيْضًا