وَمَرَاءَةً. وَالنُّحَاةُ يَجْعَلُونَ انْتِصَابَ هَنِيئًا عَلَى الْحَالِ، وَانْتِصَابَ مَرِيئًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْخِلَافِ. إِمَّا عَلَى الْحَالِ، وَإِمَّا عَلَى الْوَصْفِ. وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَا حَرَّفَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَصِحَّةِ قَوْلِ النُّحَاةِ ارْتِفَاعُ الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ بَعْدَ هَنِيئًا مَرِيئًا، وَلَوْ كَانَا يَنْتَصِبَانِ انْتِصَابَ الْمَصَادِرِ.
والمراد بها: الدعاء لما أَجَازَ ذَلِكَ فِيهَا تَقُولُ: سَقْيًا لَكَ وَرَعْيًا، وَلَا يَجُوزُ سَقْيًا اللَّهُ لَكَ، وَلَا رَعْيًا اللَّهُ لَكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي فِعْلِهِ فَتَقُولُ: سَقَاكَ اللَّهُ وَرَعَاكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ بَعْدَهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
هَنِيئًا مَرِيئًا غَيْرَ دَاءٍ مُخَامِرٍ | لِعِزَّةٍ مِنْ أَعْرَاضِنَا ما استحلت |
وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهَا غَيْرَ مُضْطَرَّةٍ إِلَى ذَلِكَ بِإِلْحَاحٍ أَوْ شَكَاسَةِ خُلُقٍ، أَوْ سُوءِ مُعَاشَرَةٍ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهَا وَيَتَمَلَّكَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ. وَلَمْ يُوَقَّتْ هَذَا التَّبَرُّعُ بِوَقْتٍ، وَلَا اسْتِثْنَاءٍ فِيهِ رُجُوعٌ. وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ:
إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهَا مَا لَمْ تَلِدْ، أَوْ تُقِمْ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، فَلَوْ رَجَعَتْ بَعْدَ الْهِبَةِ فَقَالَ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ: لَهَا أَنْ تَرْجِعَ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ. كَتَبَ عُمَرُ إِلَى قُضَاتِهِ:
أَنَّ النِّسَاءَ يُعْطِينَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً، فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْطَتْ زَوْجَهَا ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ فَلَهَا ذَلِكَ. قَالَ شُرَيْحٌ: لَوْ طَابَتْ نَفْسُهَا لَمَا رَجَعَتْ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَالَ تَعَالَى: فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً «١» وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ. وَفِي تَعْلِيقِ الْقَبُولِ عَلَى طيب النفس ذون لَفْظَةِ الْهِبَةِ أَوِ الْإِسْمَاحِ، دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَخْذِ، وَإِعْلَامٌ أَنَّ الْمُرَاعَى هُوَ طِيبُ نَفْسِهَا بِالْمَوْهُوبِ. وَفِي قَوْلِهِ: هَنِيئًا مَرِيئًا مُبَالَغَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْقَبُولِ وَزَوَالِ التَّبِعَةِ.
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ