وَالْبِدْعَةِ وَشِبْهِهِمَا، وَالْغَضَبِيَّةُ وَفَسَادُهَا بِالْقَتْلِ وَالْغَضَبِ وَشِبْهِهِمَا، وَشَهْوَانِيَّةٌ وَفَسَادُهَا بِالزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالسِّحْرِ وَهِيَ: أَخَسُّ هَذِهِ الْقُوَى، فَفَسَادُهَا أَخَسُّ أَنْوَاعِ الْفَسَادِ، فَلِهَذَا خَصَّ هَذَا الْعَمَلَ بِالْفَاحِشَةِ. وَحُجَّةُ أَبِي مُسْلِمٍ فِي أَنَّ الْفَاحِشَةَ هِيَ السِّحَاقُ قَوْلُهُ: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ وَفِي الرِّجَالِ: وَالَّذانِ ومنكم وَظَاهِرُهُ التَّخْصِيصُ، وَبِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيهِ نَسْخٌ، وَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ التَّكْرَارُ. وَلِأَنَّ تَفْسِيرَ السَّبِيلِ بِالرَّجْمِ أَوِ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الزِّنَا، يَكُونُ عَلَيْهِنَّ لَا لَهُنَّ، وَعَلَى قَوْلِنَا: يَكُونُ السَّبِيلُ تَيَسُّرَ الشَّهْوَةِ لَهُنَّ بِطَرِيقِ النِّكَاحِ. وَرَدُّوا عَلَى أَبِي مُسْلِمٍ بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، فَكَانَ بَاطِلًا. وَأَجَابَ: بِأَنَّهُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، فَلَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا وَتَفْسِيرُ السَّبِيلِ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ:
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا «الثَّيِّبُ تُرْجَمُ وَالْبِكْرُ تُجْلَدُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الزُّنَاةِ.
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَسْخَ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي أَحْكَامِ اللُّوطِيَّةِ وَلَمْ يَتَمَسَّكْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فِيهِمْ. وَأَجَابَ بِأَنَّ مَطْلُوبَ الصَّحَابَةِ: هَلْ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى اللُّوطِيِّ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ؟ فَلِهَذَا لَمْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ. انْتَهَى. مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُسْلِمٍ، وَمَا رُدَّ بِهِ عَلَيْهِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ. وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّ اللَّاتِي مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ، وَهُوَ عَامٌّ أُحْصِنَتْ أَوْ لَمْ تُحْصَنْ. وَأَنَّ وَاللَّذَانِ مُخْتَصٌّ بِالذُّكُورِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ. فَعُقُوبَةُ النِّسَاءِ الْحَبْسُ، وَعُقُوبَةُ الرِّجَالِ الْأَذَى. وَيَكُونُ هَاتَانِ الْآيَتَانِ وَآيَةُ النُّورِ قَدِ اسْتَوْفَتْ أَصْنَافَ الزُّنَاةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الظَّاهِرَ قَوْلُهُ: مِنْ نِسَائِكُمْ وَقَوْلُهُ:
مِنْكُمْ، لَا يُقَالُ: إِنَّ السِّحَاقَ وَاللِّوَاطَ لَمْ يَكُونَا مَعْرُوفَيْنِ فِي الْعَرَبِ وَلَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِمْ، لَكِنَّهُ كَانَ قَلِيلًا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ:

مَلَكُ النَّهَارِ وَأَنْتِ اللَّيْلَ مُومِسَةٌ مَاءَ الرِّجَالِ عَلَى فَخْذَيْكِ كَالْقُرُسِ
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
يَا عَجَبًا لِسَاحِقَاتِ الورس الجاعلات المكس فوق المكس
وقرأ عبد الله: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ بِالْفَاحِشَةِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ نِسَائِكُمْ اخْتُلِفَ، هَلِ الْمُرَادُ الزَّوْجَاتُ أَوِ الْحَرَائِرُ أَوِ الْمُؤْمِنَاتُ أَوِ الثَّيِّبَاتُ دُونَ الْأَبْكَارِ؟ لِأَنَّ لَفْظَ النِّسَاءِ مُخْتَصٌّ فِي الْعُرْفِ بِالثَّيِّبِ، أَقْوَالٌ. الْأَوَّلُ: قَالَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَوْلُهُ مِنْ نِسَائِكُمْ إِضَافَةٌ فِي مَعْنَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْكَافِرَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ ينسب وَلَا يَلْحَقُهَا هَذَا الْحُكَمُ


الصفحة التالية
Icon