جَمْعًا وَالَّتِي نَهَى أَنْ نَأْخُذَ مِنْهَا هِيَ الْمُسْتَبْدَلُ مكانها، لا الْمُسْتَبْدَلَةَ. إِذْ تِلْكَ هِيَ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمَالَ، لَا الَّتِي أَرَادَ اسْتِحْدَاثَهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ «١» وَقَالَ: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَآتَيْتُمُ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَأَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ إِحْدَاهُنَّ، أَيْ إِحْدَى الْأَزْوَاجِ قِنْطَارًا، وَلَمْ يَقُلْ: وَآتَيْتُمُوهُنَّ قِنْطَارًا، لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْجَمِيعَ الْمُخَاطَبِينَ آتَوُا الْأَزْوَاجَ قِنْطَارًا. وَالْمُرَادُ: آتَى كُلُّ وَاحِدٍ زَوْجَتَهُ قِنْطَارًا.
فَدَلَّ لَفْظُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي: آتَيْتُمْ، الْمُرَادُ مِنْهُ كُلٍّ وَاحِدٌ وَاحِدٌ، كَمَا دَلَّ لَفْظُ:
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِبْدَالُ أَزْوَاجٍ مَكَانَ أَزْوَاجٍ، فَأُرِيدَ بِالْمُفْرَدِ هُنَا الْجَمْعُ لِدَلَالَةِ: وَإِنْ أَرَدْتُمْ. وَأُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَآتَيْتُمْ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ لِدَلَالَةِ إِحْدَاهُنَّ، وَهِيَ مُفْرَدَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْبَلَاغَةِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِأَوْجَزَ مِنْ هَذَا وَلَا أَفْصَحَ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي قِنْطَارٍ فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ «٢» وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى قِنْطَارٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: بِوَصْلِ أَلِفِ إِحْدَاهُنَّ، كما قرىء: إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ بِوَصْلِ الْأَلِفِ، حُذِفَتْ عَلَى جِهَةِ التَّحْقِيقِ كَمَا قَالَ:
وَتَسْمَعُ مِنْ تَحْتِ الْعَجَاجِ لَهَا ازْمَلَا وَقَالَ:
إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَالْبِسُونِي بُرْقُعَا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا تَحْرِيمُ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا آتَاهَا إِذَا كَانَ استبدل مَكَانِهَا بِإِرَادَتِهِ. قَالُوا: وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ «٣» قَالُوا:
وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ. وَيُجْرَى هَذَا الْمَجْرَى الْمُخْتَلِعَةُ لِأَنَّهَا طَابَتْ نَفْسُهَا أَنْ تَدْفَعَ لِلزَّوْجِ مَا افْتَدَتْ بِهِ. وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزْنِيُّ: لَا تَأْخُذْ مِنَ الْمُخْتَلِعَةِ شَيْئًا لِقَوْلِهِ: فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا وَآيَةُ الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ بِهَذَا، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا، وَالنَّهْيُ بَعْدَهُ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ مَا آتَاهَا، سَوَاءٌ كَانَ مَهْرًا أَوْ غَيْرَهُ.
أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الَّذِي آتَاهَا مَهْرًا فَقَطْ، بَلِ الْمَعْنَى: أَنَّهُ قَدْ صَارَ بَيْنَهُمَا مِنَ الِاخْتِلَاطِ وَالِامْتِزَاجِ مَا لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا آتَاهَا، سَوَاءٌ كَانَ مَهْرًا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الخطاب عموما في
(٢) سورة آل عمران: ٣/ ١٤.
(٣) سورة النساء: ٤/ ٤.