عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَيَكُونُ رَاكِبًا حَالًا مِمَّا يَلِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْحَالِ وَالصِّفَةِ، لَوْ قُلْتَ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو الطَّوِيلُ. لَكَانَ: الطَّوِيلُ، صِفَةً: لِعَمْرٍو، وَلَا تَقُولُ: لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، لِأَنَّهُ يَلْبَسُ بَلْ لَا لَبْسَ فِي هَذَا، وَهُوَ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ الْحَالُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي: نَافِلَةً، إِنَّهُ انْتَصَبَ حَالًا عَنْ: يَعْقُوبَ، فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا عَنْ:
يَعْقُوبَ، إِذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ: نَافِلَةً، مَصْدَرًا كَالْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَةِ. وَمَعْنَاهُ: زِيَادَةً، فَيَكُونُ ذَلِكَ شَامِلًا لِإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، لِأَنَّهُمَا زِيدَا لِإِبْرَاهِيمَ بَعْدَ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرِهِ، إِذْ كَانَ إِنَّمَا جَاءَ لَهُ إِسْحَاقُ عَلَى الْكِبَرِ، وَبَعْدَ أَنْ عَجَزَتْ سَارَّةُ وَأَيِسَتْ مِنَ الْوِلَادَةِ، وَأَوْلَادُ إِبْرَاهِيمَ غَيْرَ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ مَدْيَانُ، وَيُقَالُ: مَدْيَنُ، وَيُشْنَاقُ، وَشُواحُ، وَهُوَ خَاضِعُ، وَرَمْرَانُ وَهُوَ مَحْدَانُ، وَمَدْنُ، وَيَقْشَانُ وَهُوَ مُصْعَبُ، فَهَؤُلَاءِ وَلَدُ إِبْرَاهِيمَ لِصُلْبِهِ. وَالْعَقِبُ الْبَاقِي مِنْهُمْ لِإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ لَا غَيْرُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْمُرَادُ، بِأُولِي الْعِلْمِ، الَّذِينَ عَظَّمَهُمْ هَذَا التَّعْظِيمَ حَيْثُ جَمَعَهُمْ مَعَهُ وَمَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَعَدْلِهِ؟
قُلْتُ: هُمُ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ وَحْدَانِيَّتَهُ وَعَدْلَهُ بِالْحُجَجِ الْقَاطِعَةِ، وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ، وَهُمْ عُلَمَاءُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ. انْتَهَى.
وَيَعْنِي بِعُلَمَاءِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ: الْمُعْتَزِلَةَ، وَهُمْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ كَمَا أَنْشَدَنَا شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ قَالَ: أَنْشَدَنَا الصَّاحِبُ أَبُو حَامِدٍ عَبْدُ الْحُمَيْدِ بْنُ هِبَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَدِيدِ الْمُعْتَزِلِيُّ بِبَغْدَادَ لِنَفْسِهِ:
لَوْلَا ثَلَاثٌ لَمْ أُخْفِ صُرْعَتِي | لَيْسَتْ كَمَا قَالَ فَتَى الْعَبْدِ |
أَنْ أَنْصُرَ التَّوْحِيدَ وَالْعَدْلَ فِي | كُلِّ مَقَامٍ بَاذِلًا جُهْدِي |
وَأَنْ أُنَاجِيَ اللَّهَ مُسْتَمْتِعًا | بِخَلْوَةٍ أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ |
وَإِنَّ أَتْيَهُ الدَّهْرَ كِبْرًا عَلَى | كُلِّ لَئِيمٍ أَصْعَرِ الْخَدِّ |
لِذَاكَ أَهْوَى لَا فَتَاةَ وَلَا | خَمْرَ وَلَا ذِي مَيْعَةٍ نَهْدِ |